لو أنك كنت تسير في طريقك كافّـاً عافّـاً فاعترضك من لم توجه له أية اساءة من أي نوع... بل و تكن له كل الاحترام و تتبادل معه المصالح الاقتصادية التي يصب مردودها غالباً في صالحه دون اعتراض منك... وفجأة عند لقائك به ضربك بكل وقاحة أمام الملأ... وحين أبديت استغرابك صعّـر خديه مهدداً بالمزيد من الصفعات لأنه (حـر يفعل ما يشاء)... فماذا سيكون ردك؟!
هذا هو حالنا مع بعض وسائل الإعلام في الدول الغربية... فمرة تخرج علينا امرأة باكستانية تتبعها أخرى صومالية و من قبلهما (سلمان أفندي رشدي)... و هم من المغمورين في تلك البلاد لكنهم لا يرون سبيلا ليعرفهم الناس هناك سوى إنزال الصفعات على الخـد الاسلامي المستباح... فيجعلوا من ذواتهم النكرة مادة للشهرة الزائفة.
مؤخرًا أكملت المسيرة صحيفة دنماركية لم تجد سوى توجيه الإهانة المتعمدة ضمن رسوم كاريكاتيرية سخيفة و ثقيلة الدم تصور الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بشكل شخص إرهابي يحمل في عمامته قنبلة؟! هل هذا محمد و هل هذه رسالته؟!
كان من الممكن أن تمر هذه المهزلة بإهمالها أسوة بإهمال الكثير من السـقطات البذيئة التي لم يتورع بعض القادة هناك عن توجيهها للاسلام... ثم يعقبها اعتذار باهت مثلما حصل مع الرئيس الايطالي برلسكوني حين وجه شتائمه المهينة للمسلمين!!
من هنا كان (التصدي العظيم والرادع) بمطالبة البعض بمجرد (اعتذار) من الحكومة الدنماركية أو على الأقل من الصحيفة المغمورة بحيث يتم نشره في سطرين يتم اختيارهما أسفل احدى الصفحات الداخلية... لكن الحكومة الموقرة هناك (ركبت راسها) وأرادت أن تلقننا درساً في ( حرية الرأي) التي تحترمها... و بالمناسبة هذه الحرية عوراء فهي ترانا نحن بعينها السليمة فتطبق علينا مقتضيات تلك الحرية!! بينما تنظر لغيرنا بالعين الأخرى (العمياء) وإلا هل يستطيع أحد باستخدام تلك الحرية أن يتصدى للهجوم أو التعرض لأي معتقد ديني آخر؟! و هل يجرؤ أكبر رأس على مجرد مناقشة محرقة (الهولوكوست)؟!!
المهم أن موقف الحكومة هذا شجع الصحيفة على التمادي في خطئها ورفضت هي الأخرى مجرد الاعتذار... و بدلاً من ذلك أعادت نشر الكاريكاتير المسموم !!... وأغرب ما في الأمر هو الإصرار الشعبي على تبني هذه الإهانة و ذلك في استبيان أوضح أن الشعب هناك لا يقتصر على تأييد الصحيفة بل يطالبها بعدم الاعتذار للمسلمين ؟!... و تقولون لنا بعد ذلك إنه لا يجوز عقاب شعب مثل هذا يصر على الاساءة ويؤيدها و يحرض عليها؟!
هذا يقودنا الى التأكيد على أهمية مقاطعة البضائع الدنماركية... و نعيدها: مقاطعة البضائع وعرقلة التجارة الملتوية التي قد يلجأ اليها ضعاف النفوس ممن لا يتورعون عن اكتساب المال دون اعتبار لأخلاقية الوسيلة... كما كان يحدث مع مقاطعة «اسرائيل».
المقاطعة الاقتصادية هي وحدها التي تستطيع أن تلقن الدرس لكل من يحاول إهانة هذه الأمة فتجعله يفكر ألف مرة قبل الشروع في فعلته تلك... المقاطعة هي التي تجعل المواطن هناك يفيق من غفوة التضليل بـل و تدفعه هو للقصاص ممن أساء الى (أكل عيشه)... خصوصا و أن ذلك المواطن (سـيد قراره) ضمن صناديق الانتخاب التي تحسب لها الأحزاب هناك ألف حساب... و لا تصل إلى مرحلة صنع القرار الا من خلالها.
المهم... بالرغم من كل تلك الصفعات المهيـنة التي جاءت من الخارج اذ بنا نتلقى الضربات من الداخل حين تصدى البعض لنا بالسخرية والاستهزاء من الدعوة للمقاطعة بحجة أنها تضر باقتصادنا... كيف؟! ... من خلال (الآلاف) من التجار الوكلاء للشركات الدنماركية.
وكالعادة لجأ البعض لاستغلال حاجة أبناء البحرين للعمل فلوحوا لنا بورقة (الجوكر) التي يؤمنون بأنها الكسبانة و حذرونا من الأضرار الجسيمة التي تلحق بـ (آلاف) العائلات التي تعيش من خلال مرتبات أبنائها العاملين في المشروعات الجبارة المشتركة بين البلدين في حال تطبيق المقاطعة... و الغريبة أنهم نسوا تذكيرنا بخطر لجوء تلك المشروعات إلى دبـي ؟!
في خضم تلك الاجتهادات برز اجتهاد له وجاهته بالمطالبة برفع دعوى قضائية ضد الصحيفة... و هو اجراء من أشد الأساليب فاعلية ضد الصحافة (المفترية) في اوروبا و تحسب له الصحف ألف حساب لأن تعويضات القـذف والسب العلني غالباً ما تكون كبيرة وباهظة... لكن الأخذ بهذا الاقتراح لا يضعف من قوة المقاطعة الاقتصادية... فما المانع من أن تسلك المواجهة المطلوبة هذين الطريقين المكمّـلين لبعضهما؟!
أما الخوف على المواطن الدنماركي ومراعاة مصالحه فقد كان أولى بحكومته أن تراعي ذلك وأن تدرك أن التعدي على خلق الله وإهانة معتقداتهم له ثمن يجب أن تدفعه وأن لا يتصدى لنا (رحماء الفذلكة) بتنظيراتهم (الإنسانية) ليقنعونا بأن اللجوء الى المحكمة قد يجعلها تحكم (حكماً أحمق) بالتعويض فتتضرر الصحيفة ويتشرد العاملون فيها وتتسبب بالضرر للاقتصاد هناك... ما يجعل الشركات تهرب من الاستثمار فيها الى الاستثمار في «اسرائيل»... و هنا مكمن الخيبة... والحل يا سادة؟!... الحل في نظرهم هو الوقوف بجانب (حرية الرأي) و من صفعنا على خدنا الأيمن فلنقدم له الأيسر... وليعذرنا للقصور فنحن نموت في شيء اسمه التقديس لكل ما يأتي به الغرب حتى و لو تورمت خدودنا من الصفعات !!
إقرأ أيضا لـ "سلمان صالح تقي"العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ