العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ

شئون وشجون بحرينية صينية (3)

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في الساعة السابعة من مساء 12 ديسمبر/ كانون الأول 2005 كنت أنوي مشاهدة عرض أوبرا بكين إلا أنه في الساعة السادسة والنصف كان «الأوتوبيس» المقل للمشاركين في الندوة غادر الفندق إلى مسرح تلك الأوبرا. وعزائي الوحيد في عدم مشاهدتها هو أنني شاهدتها من قبل عشرات المرات واستمتعت بعرضها. إلا أنني قد التقيت بعد ذلك خوليمنغ وهو سفير سابق للصين في إيران والإمارات وقد التقيت معه ابنه وهو شاب يافع يعمل في وزارة الخارجية مثل أبيه، وهل نسمي هذا توريث الأبناء وظائف الآباء كما هو الحال في الأقطار العربية؟ إلا أنه من الظلم مقارنة الصين بأقطارنا العربية في هذا المجال. وابنه هذا متخصص أيضاً في اللغة العربية وعندما أهديت الصديق الصيني كتابي «يوميات سفير» آثر أن يقدمه لابنه لكي يقرأه بإمعان واهتمام ويقول إن أبنه أكثر منه تمكناً من اللغة العربية وناصيتها وتمنيت أن يقتدي أبناؤنا الشباب في سائر الأقطار بدراسة اللغة الصينية والتخصص فيها، وكنت قد ألقيت كلمتي في اليوم الثاني بعد الظهر بدل صباح اليوم الأول ، إذ كنت مدرجا ثاني المتحدثين بعد سفير الجزائر وقد ألقى كلمة ضافية ومختصرة باسم الجانب العربي في ختام ندوة العلاقات العربية الصينية هذه واشتملت على الآتي: يجب أن يعمل العالم العربي والصين معاً في مجال تنمية وتطوير العلاقات العربية الصينية، وتنسيق المواقف في المحافل الدولية. وأن يكون الحوار بين الجانبين منظماً ودورياً من أجل تنمية العلاقات بينهما لدعم الحضارة الإنسانية والتعايش السلمي بينهما ورفض أي تمييز قائم على الدين أو البشرة واللون أو اللغة أو الموقع الجغرافي وأن للحضارتين العربية والإسلامية والصينية الفضل فيما يشهده العالم اليوم من تطور في مجالات العلوم والفلسفة والتقنيات. وأن التعاون بين الجانبين سياسياً واقتصادياً وثقافياً يخدم البلدان النامية في مختلف المنظمات الدولية الاقتصادية والمالية والثقافية والبيئية كما يجنبها مختلف المخاطر، كما نوه بالدور الفعال لوزارة الخارجية الصينية لتنظيمها ولحسن ضيافتها. وتناولت في كلمتي وعنوانها (العولمة تدق الأبواب) التراث الحضاري الصيني العريق وكذلك حضارة العرب بعلومها وثقافاتها ودياناتها المختلفة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الإنساني. وما أحوجنا اليوم ونحن نستذكر هذه الحضارة العظيمة في شرقنا العربي أن نهتدي بفكر المصلح والمجدد الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبدالرحمان الكواكبي ورفاعه الطهطاوي وغيرهم من المصلحين والمفكرين والمبدعين في عصر النهضة والتنوير العربي. لابد إذاً من انبعاث سياسي واقتصادي واجتماعي على أساس نزعة إنسانية ونهضة شاملة قائمة على تكريم الإنسان والحفاظ على قيمه وعطائه ولا ننسى هنا المفكر العربي الإصلاحي ابن خلدون الذي نادى بطبائع العمران في مقدمته الشهيرة في العام .1378 لقد دعا إلى تنمية الثروة وتكوينها والحفاظ عليها وعدم تبديدها فيما لا ينفع لتكون ذخراً للأجيال القادمة وسنداً لإقامة الصناعة والتجارة والزراعة. ويجب أن لا نحصر الدراسات الكثيرة في الميدان الأدبي والفلسفي بل علينا الاهتمام بالإنتاج العلمي من رياضيات وكيمياء وفزياء. لابد من الخروج من الاختناق السياسي والذي عانته البلدان العربية طوال العقود الخمسة الماضية نتيجة للأنظمة السياسية الشمولية والتي تفتقد في معظمها للشرعية الديمقراطية والقائمة على احترام حقوق الإنسان المزيد من الإصلاح السياسي والاقتصادي، كما لا بد من الحفاظ على الأمن القومي واستقلال الأوطان وتحقيق تنمية مستدامة وعدالة اجتماعية وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني. علينا إذا إقامة علاقات قوية بين العرب والصين في مختلف الميادين الخلاقة والمفيدة وعلى رأسها تنمية آفاق التعاون السياسي وآفاق الحياة السياسية في الصين والعالم العربي. لابد من فهم مشترك لحضارة كل منا وأن نتجاوز التعاون التجاري والاقتصادي القائم إلى تعاون ثقافي وعلمي، وتعلم اللغة الصينية كما يفعل الصينيون في تعلم لغتنا العربية على رغم صعوبتها وهذا ما يفرضه الضمير الإنساني والمهني. وأن نعمل بطريقة جدية وموضوعية وعلمية. ورائدنا في هذا خدمة أوطاننا وعماراتها. وقد كثرت في الآونة الأخيرة المؤتمرات في بلدان الشرق الأوسط وخارجها وكلها تناقش مستقبل هذه المنطقة ومنطقة شمال إفريقيا هناك المؤتمر الأول لمنتدى المستقبل بالمغرب ديسمبر/ كانون الأول 2004 والمؤتمر الثاني لمنتدى المستقبل المعقود بالبحرين ما بين 11 و12 ديسمبر/ كانون الأول .2005 وضم وزراء خارجية مجموعة الثماني مع عدد وزراء دول الشرق الأوسط الموسع في شمال إفريقيا. ولابد من الإشارة إلى منتدى دافوس بالبحر الميت مايو / أيار .2005 واقترحت أميركا أسم الشرق الأوسط الكبير والذي يشمل كل الدول العربية و«إسرائيل» وإيران وأفغاستان وباكستان، أما تركيا فهي تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوربي. أتمنى أن يقتدي العرب بالصين في دراستها وقراءاتها الاستراتيجية لما يحدث في هذا العالم الواسع من تطورات وحوادث سياسية. الصين تضع في اعتبارها مصلحة شعبها وبلادها. وهل هناك أبلغ من قول الحكيم الصيني كنفوشيوس: «إذا استخدمنا الكلمات أو الأساليب بصورة خاطئة فلن نحصل بعد ذلك إلا على نتائج خاطئة». حرصت على قراءة الكثير من الأوراق المقدمة إلى هذه الندوة وهناك إجماع على الآتي من المقترحات والتوصيات: 1­ العالم العربي يملك موقعاً استراتجياً مهماً عالمياً ولديه ثروة نفطية هائلة واحتياط ضخم منه. والصين دولة ناهضة اقتصادياً وحاجتها إلى الطاقة النفطية متصاعدة، فالجانبان يكملان بعضهما بعضاً في هذا الحقل المهم. 2­ نجحت الصين خلال حقبة التسعينات من القرن العشرين أن تحقق لها موقع قدم في حقول نفط السودان مع شركة ماليزية. وأميركا ظلت قلقة لذلك وحاولت تقليص اسثمارات الصين النفطية هناك. وفي غير ذلك حققت شركة الصين النفطية العملاقة تعاوناً آخر في حقول النفطية في كل من اليمن وسورية وفي دول أخرى وتحاول جاهدة دخول أسواق النفط والحصول على بعض الامتيازات النفطية بصورة مستمرة والدول العربية بحاجة أيضاً إلى خبرة ومساعدة الصين واستثماراتها في مجال التنمية السلمية وتحقيق الرخاء والازدهار الاقتصادي لشعوبها. 3­ ويهم الصين أن يسود الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وهذا لن يتأتى إلا بحل النزاع العربي الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية، ولذلك عينت الصين مبعوثاً خاصاً لها في الشرق الأوسط وهو السفير وانغ. إذاً هناك مصالح مشتركة بين الدول العربية والصين. وتستطيع الصين بذل مساعيها في حل هذا النزاع ولو بصورة محدودة. والسؤال الملح هل ستسمح أميركا للصين بلعب هذا الدور المحدود. فهي تريد إمساك كل أوراق اللعبة السياسية بيدها وهذا ما نراه جليا وواضحاً على المسرح الدولي. 4­ شدتني كثيراً الورقة التي قدمها الباحث السوداني جعفر كرار أحمد وما تضمنته من اقتراحات مهمة بشأن عملية تطوير وتقوية العلاقات العربية الصينية فهو يقترح أن تقوم الدول العربية برعاية آثارها التاريخية كالمساجد والأضرحة والمعاهد الدينية. وكذلك شبكات الري والطرق في أنحاء الصين المختلفة والمتفرقة وذكر أن يحيى طاهر مهندس عربي مسلم ساهم في بناء مدينة بكين. وأن كثيراً من الدول الأوربية تقوم بصيانة آثارها مثل إيطاليا التي أولت اهتماماً خاصاً برحلة ماكو بولو الإيطالي ودوره في الصين. ولمست هذا بنفسي عند زيارتي إلى مدينة تيان جين الساحلية إذ مشيت في ساحة كبيرة تحمل أسم هذا الرحالة. وأخيراً اجمعت كل التوصيات التي صدرت عن الجانبين الصيني والعربي على ضرورة دعم هذه الندوة واجتماعاتها في المستقبل وأن الصينيين دعموا مواصلة هذا الحوار بين الطرفين في ندوات أخرى

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً