العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ

كارنيفال «هوزيه» مرة أخرى

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لقد كتبت عن كيف يتم احياء موسم العاشوراء في ترينداد قبل عدة سنوات، وأشرت أمس إلى الموضوع، وطلب مني عدد من القراء أن أعاود الكتابة عن الموضوع ذاته لما له من أهمية ولنستفيد من الدروس المستقاة منه. ترينداد تتكون من عدة جزر في البحر الكاريبي، شمال شرق فنزويلا (أميركا الوسطى) ويقطنها أكثر من مليون إنسان، ويتكون 40 في المئة من السكان من الهنود الذين هاجروا إليها في القرن التاسع عشر، عندما كانت تحت الاستعمار البريطاني (من العام 1797 حتى 1962م)، ونحو 38 في المئة من سكانها من أصل إفريقي، والمسلمون يشكلون أقل من 6 في المئة، بينما يشكل الهندوس نحو 22 في المئة، والباقي من مختلف المذاهب المسيحية.

في العام 1845 قامت الحكومة البريطانية باستجلاب نحو 144 ألف هندي للعمل في ترينداد بعد إعلان تحرير العبيد. بعض الهنود كانوا من مدينة «لكنهو» وما حولها (ولاية عوض)، وكانت تلك الولاية محكومة من الهنود الشيعة آنذاك. وهكذا بدأت ست العوائل في احياء العاشوراء منذ منتصف القرن التاسع عشر في ترينداد، وسرعان ما وجدوا أن الاحتفال أصبح مرغوباً فيه من قبل المسلمين السنة وأتباع الديانات الأخرى، وخصوصاً أنه اتخذ شكلاً من المهرجان إذ ترفع فيه قبة تمثل مشهد الإمام الحسين (ع) مع موسيقى مؤثرة، وأهازيج ذات وقع خاص، وأصبح مع الأيام يطلق على الإمام الحسين (ع) اسم «هوزيه».

في العام 1881 بدأت المشكلات تزداد بعد ازدياد عدد المواكب، ومن بينها عراك ومناوشات، عندما أصر أحد المسيحيين (كان هندوسيّاً قبل ذلك) على أن يخرج موكبه بمناسبة العاشوراء قبل غيره. وفي العام 1884 تطورت الأمور أكثر عندما تدخلت قوات الأمن التابعة إلى التاج البريطاني لضبط الأمور بحسب ما ارتأته من إجراءات ما أدى إلى سقوط قتلى، أدت هذه الحادثة إلى أن يتوحد أهالي ترينداد من مختلف الاثنيات والأديان في صف واحد ضد القوات البريطانية الاستعمارية، وتمكنوا من خلال وحدتهم من الانتصار لموقفهم، ما أدى إلى أن تتحول المناسبة إلى قضية وطنية تذكر بقوة الوحدة الوطنية لمواجهة قوات الامبراطورية العظمى آنذاك. وأصبح موسم العاشوراء (كارنيفال هوزيه) مناسبة سنوية لتجمع الناس من كل حدب وصوب، ليس فقط للذكرى، وانما أيضاً للمطالبة بحقوق العمال ورفع الأجور وإزالة الظلم الاستعماري. ومن دون شك حركت رمزية القضية الحسينية الكثير من المشاعر الإنسانية داخل الترينداديين، وأصبحت جزءاً من وعيهم ووجدانهم الوطني منذ ذلك الحين حتى الآن.

حالياً، يبلغ عدد أفراد العوائل الست التي بدأت العاشوراء نحو 250 شخصاً، لكن هذا العدد القليل لا يملك «كارنيفال هوزيه»، بل له البداية في المسيرة، والنهاية، وقراءة الدعاء، أما باقي «الاحتفال الكارنيفالي» فتتقاسمه المجموعات الأخرى التي يتراوح عددها في يوم العاشوراء ما بين 30 و40 ألف شخص. والمراسم التي تم تطويرها يتم الاتفاق عليها بين الجماعات والفئات المتنافسة عليها سنوياً. وتطالب كل اثنية وأصحاب كل ديانة بأن تضاف ألوان إلى مشهد الحسين الذي تتم صناعته قبل الموسم، ومن ثم رفعه على الأكتاف حتى نهاية مسيرة الذكرى، إذ يتم تفكيكه من قبل أفراد العوائل الأساسية ويرمى في البحر الكاريبي (المرتبط بالمحيط الاطلنطي).

لاشك أن العدد الكبير من المشاركين سيأتون إلى الموسم بعاداتهم وتقاليدهم التي قد لا يتفق عليها المسلمون الذين بدأوا الاحتفالات، لكن من دون شك فإن ما يجري في ترينداد من احتفالات ترتبط باسم الحسين يجدر الاطلاع عليها لدراستها والاستفادة منها، وخصوصاً أنها الوحيدة من مثلها في أي مكان في العالم. الترينداديون لديهم الكثير من الأنشطة خلال موسم العاشوراء، وحتى الأكل يتغير، ويتم توزيعه على جميع المشاركين وغير المشاركين، وهناك التنافس المحموم بين الكنائس والمعابد والمساجد والمآتم على المشاركة في الذكرى، سواء من خلال حمل الأعلام أو مجسمات المشاهد الحسينية أو قرع الطبول، أو ترديد الأهازيج، أو التقاء الناس وتداول ما يهمهم ويجمعهم على شأن من الشئون العامة.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً