العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ

عشنا طويلاً معتمدين على رؤية محدودة إزاء الفلسفة

روجيه - بول دروا:

روجيه - بول دروا فيلسوف يعرف كيف يضع علمه الفلسفي في متناول الجميع، وقد ترجمت إحدى روائع أعماله التي حملت عنوان: «101 تجربة نابعة من الفلسفة اليومية»، التي حققت أعلى المبيعات إلى 22 لغة، ويعكف هذا الباحث الشهير أيضاً منذ 25 عاماً على دراسة صورة الشرق في الفلسفة الغربية.

«لابل فرانس» أجرت معه الحوار الآتي وننشره باتفاق خاص:

من أين يأتي تذوقكم هذا للفلسفة؟

- عندما كنت في السادسة عشر من العمر، في آخر سنة من المرحلة الثانوية (التي تدرس فيها مادة الفلسفة) انتابني شعور بالانبهار، ونشأ لدي انطباع بأنني اكتشفت أخيراً التساؤلات العظمى والجذرية والرئيسية المتعلقة بالحياة والوجود، ولكن هذا ليس معناه أنني اكتشفت الاجابات عليها!

ما تعريفكم للفلسفة؟

إن كل إنسان يستخدم منهجية للنظر في كيفية سير تفكيره، فهو يمارس الفلسفة. فطرح التساؤلات ليس كافياً، يجب أيضاً أن يتبنى المرء نظرة نقدية ومنهجية بشأن كيفية طرحه للتساؤلات، وبشأن الطريقة التي يقدم من خلالها الردود على هذه التساؤلات، بحيث يسأل نفسه عما إذا كانت الردود صالحة أم لا، صائبة أم خائبة؟

لقد عرفتم نجاحاً باهراً من خلال كتابكم؟

- «101 تجربة من الفلسفة اليومية»، وتقترحون من ضمن هذه التجارب، «أن يستأصل المرء شعرة واحدة من رأسة أو أن يعد حتى رقم 1000 أو أن ينزل سلماً ليست له نهاية أو أن يبحث عن غذاء له لون أزرق...».

ما الهدف من هذه التجارب؟

- يكمن الأمر في إحداث انفلات غير منضبط في التفكير العقلي بصورة تدفع المرء الذي لم يطرح على نفسه تساؤلاً قط، أن يكتشف التساؤل بصورة تجريبية، وسأعطيكم مثالاً على ذلك. فإذا ما قلت لكم: «سنفكر في مسألة الصور العقلية لمعرفة إذا ما كانت مطابقة للواقع الخارجي»، فلن أستطيع على هذا النحو جلب انتباهكم... ولكن إذا ما دعوتكم إلى التركيز العميق على فكرة محددة في عقلكم كإزالة القشرة عن تفاحة ما! ففي وقت ما من تفكيركم، ستفقدون الفكرة التي كنتم تبحثون عنها، وستضيعون في شعاب التفكير، ثم ستستخلصون فيما بعد النتائج التي تريدون الوصول إليها بشأن العلاقة بين ما يتضمنه فكركم والواقع الخارجي. إن هذه التجارب تمثل حوافز للتفكير الفلسفي، ولكنها لا تعد تفكيراً فلسفياً محضاً.

يبدو أن الفلسفة استعادت مكانتها في أرجاء شتى من العالم. فما رأيكم؟

عملت لمدة 6 سنوات مستشاراً لمدير عام منظمة اليونسكو للشئون الفلسفية، وقدت، بمقتضى هذا المنصب تحقيقاً عالمياً أظهر فعلاً أن الفلسفة كانت، بالأحرى تشهد انتشاراً وليس تراجعاً، وإن الشيء الذي استوقفني خصوصاً، هو قائمة المؤلفين الذين يشكلون مراجع.

في الغرب، لا يوجد إلا فلاسفة غربيون، وفي آسيا وفي بعض الدول العربية هناك على العكس من ذلك، تنوع يشتمل على فلاسفة من اليونانيين والأوروبيين وفلاسفة من العرب والآسيويين. ففي الصين مثلاً يأتي ترتيب أرسطو بعد كونفوشيوس ولاوزي (لاو - تسو).

لماذا لا نتعلم مفاهيم فلسفية مختلفة عن تلك السائدة في الغرب؟

هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي عندما كنت في الثلاثينات من عمري. وقد قرأت مصادفة كتباً عن البوذية، واكتشفت محيطاً شاسعاً من الأفكار والعادات والنصوص. إنه من الصعب أن ننفي بالنسبة إلى النصوص الأكثر نظرية، طابعها الفلسفي. فهي، فعلاً، نصوص مبنية على حجج وجدليات وتتناول موضوعات تتعلق بعلم المنطق والروحانية، مترابطة كلياً ببعضها بعضاً، وقد تساءلت لمعرفة لماذا لم يتم تدريسي هؤلاء الفلاسفة خلال سنوات الدراسة.

وفي العام ،1989 شرحت في كتابي «نسيان الهند» أن اكتشاف اللغة السنسكريتية القديمة «لغة فصحى مشكلة من مزيج من اللغتين الهندية والآريانية القديمة، كتبت بها كبرى النصوص البرهمانية الهندية»، قد أثارت في القرن التاسع عشر، حماسة شديدة لدى المفكرين، ولاسيما لدى أنصار الحركة الرومانسية الألمان، وكذلك لدى عدد من الفلاسفة «أمثال شوبنهاور وفيكتور كوزان، ثم نيتشه لاحقاً»، ولقد اعتبرت الهند البرهمانية بمثابة قارة فلسفية يقتضي اكتشافها، ثم حدث تحول كبير غير عادي، فالهند التي احتلت مكانة كبيرة على الساحة الفلسفية في القرن التاسع عشر، أبعدت عن هذه الساحة في القرن العشرين، ويقول الفيلسوف هايدجر أنه لا وجود لفلسفة غير الفلسفة الإغريقية والأوروبية!. وهو يرى أن الحديث عن «الفلسفة الهندية» أمر مشوب بالتناقض ، كالقول بأن «الصلب مصنوع من الخشب»، أعتقد أننا اعتمدنا لفترة طويلة رؤية للفلسفة مقننة وضيقة إلى أقصى الحدود، بل جامدة بعض الشيء، إذ كنا نتنكر للطابع الفلسفي لدى الكثير من التيارات الفكرية ونعتبره غير مشروع لها.

ما السبيل لتوسيع حدود الفلسفة؟

أعتقد أنه يمكننا أن نحاول تحقيق ذلك من خلال أساليب عدة، فمن جهتي، أسعى لتحقيق هذا الهدف عبر وسيلتين رئيستين تكمن الأولى في تأليف كتابات غير اعتيادية مثل «101 من تجارب الفلسفة اليومية» و«آخر أخبار الأشياء»، التي تعد في منتصف الطريق ما بين الفكر التأملي والشعر أو من خلال الانتقال إلى الكتابات الساخرة والقصص الفلسفية اللاذعة، كما هي حال تجربتي الأخيرة في كتاب «حياتكم ستكون مثالية».

أما وسيلتي الأخرى، فتكمن في تحليل الآليات التاريخية الخاصة بأفول نجم بعض التيارات الفلسفية: مثل إقصاء الهند، وكذلك الرعب الذي نسيناه اليوم والذي انتاب أوروبا في القرن التاسع عشر أمام اكتشاف البوذية والذي تناولته بالتحليل في كتابي «ثقافة العدم»، وأعمل حالياً لفهم ما قاله الفلاسفة الإغريق في العصور الغابرة حول «فلسفة البرابرة»، وستكون هناك بعض المفاجآت... وإذا ما كنا نريد الغوص في الفلسفة، علينا أيضاً التركيز على ماضيها لتسليط الضوء على ما احتوته من خيال





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً