الشاعر نزار قباني شاعر أمسك ناصية الشعر بيده وراح يعزف سنينا على أوجاع العالم العربي، فتحوّل «من شاعر يكتب بالحب والحنين. .. لشاعر يكتب بالسكين». نزار قباني أطلّ بهامته على التاريخ وراح يبحث وينقب صفحاته باحثاً عن مأساة انسانية تصلح لتكون مضرب مثل لأي مناضل يبحث عن الحرية ويطمح إلى زرع مجد على جبين الانسانية، فلم يجد أعظم من الحسين مثالاً للتضحية الواعية والمدركة للاهداف. إن نهر كربلاء تدفق وراح يملأ دمه وجه التاريخ، وتحوّل هذا الدم الى ألوية تزرع في كل أرض تطمح إلى العدالة الاجتماعية. ترك نزار جيفارا وغاندي ومارتن لوثر وكل الاحرار وبحث عن الحسين وكربلاء ليضرب بهما مثلاً في أية نكسة أو ألم يدل على الحزن والتراجيديا. شاعر وقف أمام قائد عربي مرتلاً: لم تمت أنت انما الموت للابطال عمر من البطولة ثان. الحسين ليس حكراً على طائفة فهو أكبر من الطوائف، وما استشهاد الشعراء الذين منهم نزار قباني بكربلاء إلا دليل على ذلك. فنزار قباني في تأبينه لجمال عبدالناصر نظّم بيتاً قال فيه: فتاريخنا كله محنة وأيامنا كلها كربلاء. وفي قصيدة ثانية أيضاً يؤبن فيها عبدالناصر وهو يصور العرب هم المتورطون في انكسار عبدالناصر وفي انهيار المشروع القومي عارضاً تلك الشيزوفرينيا والانفصام في المواقف: وراء الجنازة سارت قريش فهذا هشام وهذا زياد وهذا يريق الدموع عليك وخنجره تحت ثوب الحداد. وفي قصيدة «منشورات فدائية على جدران إسرائيل»، عرّج على كربلاء كحضور أبدى لفلسطين: من وجع الحسين نأتي من أسى فاطمة الزهراء من أحد نأتي ومن بدر ومن أحزان كربلاء. وتتفجر قريحة شاعرنا نزار وهو يقف على ضفاف جرح الجنوب اللبناني وكيف هزمت البندقية كبرياء «إسرائيل»، فيذرف دمعاً يحال إلى أزيز رصاص في سيمفونية تعزف لحناً كربلائياً موشى بنجيع الابطال، ومطرّز بألوان الصدق وعبق الشهادة على مذبح التضحية، إذ تتحول القرابين الى بنادق، والقبلة إلى قنبلة تزهر فيه النحور زهوراً وأكاليل، تعلم الانسان كيف يرى الحسين مذاقاً للنهوض، إذ يتلاشى أكسجين الحرية وتمزق تماثيل الجمال. وفي قصيدة «السمفونية الجنوبية الخامسة» في ديوان «قصائد مغضوب عليها» يقول قباني: «سميتك الجنوب يا لابساً عباءة الحسين وشمس كربلاء ياشجر الورد الذي يحترف الفداء ياثورة الارض التقت بثورة السماء... إلى ان يقول: يا قمر الحزن الذي يطلع ليلاً من عيون فاطمة. وفي قصيدة أخرى يقول: ويبقى وجه فاطمة يحلق كالحمامة تحت أضواء الغروب ظلي معى فلربما يأتي الحسين وفي عباءته الحمائم والمباخر والطيوب ووراءه تمشي المآذن والربى وجميع ثوار الجنوب. هكذا تغنى نزار قباني بالحسين وراءه الهائمة الكبرى للأحرار. فشعره السياسي ملئ بالاستشهادات بذكر كربلاء والحسين وفاطمة وعلى. دعونا نقرأ الحسين قراءة أدبية تحت مظلة إنسانية... فهو خارج الزمن والأمكنة. إنه صوت العدالة الانسانية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1244 - الثلثاء 31 يناير 2006م الموافق 01 محرم 1427هـ