خسرت حركة «فتح» الفلسطينية الانتخابات التشريعية أمام حركة حماس الاسلامية، ونقلت هذه الخسارة حركة فتح الى خارج السلطة، إذ من المفترض، ان تقوم حماس بتشكيل الحكومة الفلسطينية التي ستلي حكومة رئيس الوزراء الفتحاوي أحمد قريع، وسينعكس ذلك على رغم كل تطمينات حماس على وجود «فتح» ودورها في مؤسسات السلطة الفلسطينية، كما سينعكس على وجود فتح ونفوذها في منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت «فتح» عمودها الفقري طوال اربعين عاماً مضت. وما حدث بانتصار «حماس» أنه اخرج «فتح» من السلطة ومن دائرة التأثير الحاسم في السياسة الفلسطينية، وهو امر جعل ما حدث يتماثل مع عملية اخراج احزاب وقوى حاكمة من السلطة في بلدان عربية على نحو ما حدث في الجزائر بداية التسعينات في انهيار حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري وكما حدث في العراق مع الاحتلال الاميركي البريطاني الذي اطاح بسلطة حزب البعث في بغداد. وخروج الحزب الحاكم من السلطة في الجزائر والعراق، قاد البلاد للدخول في كارثة على رغم الاختلافات التفصيلية في الحالتين، بحيث اندفعت الجزائر وبتأثيرات من مفاصل اساسية في الحزب الحاكم ولاسيما من كوادر الجيش والأمن الى ادخال البلاد في اتون حرب اهلية دموية كلفت الجزائريين في نحو عقد ونصف من السنوات أكثر من مئتي الف قتيل باستثناء الجرحى والمعتقلين والفارين خارج بلدهم والمطلوبين داخله، باستثناء ما اصاب الجزائر من خسائر مادية وسياسية، اعاقت أولها تقدم وتنمية البلاد، واساءت الثانية الى تاريخ الجزائريين وبلدهم، وكانوا مثالاً في النضال من اجل التحرر والاستقلال والطموح الى حياة افضل. ولم يكن خروج حزب البعث الحاكم من السلطة في العراق أقل في تأثيراته السلبية على حياة العراقيين، فقد صار مستقبل الكيان العراقي والعراقيين في مهب الريح. إذ عرض العراق لانقسامات قومية وطائفية، تنذر بتحوله الى ثلاثة كيانات في شماله ووسطه وجنوبه على الأقل، ودفع العراقيون في السنوات التي تلت خروج البعث من السلطة وانهياره، أكثر من مئتي الف قتيل معظمهم من المدنيين قتلوا برصاص قوات الاحتلال أو قوات السلطة الجديدة أو في عمليات العنف والارهاب المستمرة في عراق تحت الاحتلال. وترافقت الخسائر البشرية في العراق مع وقوع كثير من الخسائر المادية، اصابت ممتلكات العراقيين وقدراتهم في الحاضر والمستقبل، وهي خسائر لا يمكن حصرها وتقديرها، لكنها في كل الاحوال كبيرة جداً وسيحتاج العراقيون عقوداً طويلة من الجهد والجدية لتعويضها، وتجاوز آثارها. وهذا بعض ما يترتب على العراقيين القيام به في التصدي للاثار السياسية لانهيار حزب البعث الحاكم في العام ،2003 وهو الانهيار الذي خلف فرصة لتفتيت العراقيين الى جماعات متناحرة على المستويات السياسية والقومية والدينية والطائفية، ودفع الكثيرين منهم الى العودة الى ما قبل الدولة المدنية بحثاً عن مرجعيات، يفترض ان العراقيين في اجتماعهم قد تجاوزوها، أو تجاوزوا بعضها على الأقل. وعلى رغم الاختلاف ما بين الحالين الجزائرية والعراقية في انهيار الحزب الحاكم عما حصل في خروج «فتح» من سدة السلطة الفلسطينية بعد فوز حماس، فان بعض السلوكيات التي شهدها الشارع الفلسطيني، تبين ان ثمة تعبيرات واضحة عن انهيار حركة «فتح» باعتبارها الحزب الحاكم، بينها انخراط أوساط من مسلحي «فتح» في اعمال شغب وتخريب اصابت رموزاً ومؤسسات للسلطة الوطنية والمجتمع الفلسطيني بينها الاعتداء على المجلس التشريعي، وكله يضاف الى ما تردد عن اتلاف ملفات في اجهزة الامن وتوزيع اسلحة خارج الاجهزة الامنية، وسط اعلان، ان الامن ملحق بالرئاسة في محاولة لابقائه تحت سيطرة جزء من حزب السلطة. ان ما حدث ويحدث من تعبيرات انهيار الحزب الفلسطيني الحاكم، ثمرة طبيعية للسياسات التي تكرست في حركة «فتح»، والتي زادت محتوياتها سلبية بعد تولى الحركة مسئولة السلطة في الضفة وغزة بالاستناد الى اتفاقات أوسلو ،1993 إذ غرقت السلطة وحزبها بالفساد المالي والاداري في ظل انفلاتات امنية، اضافة الى تردي مستويات ادائها السياسي، وفشلت كل محاولات الاصلاح التي دعت اليها فعاليات المجتمع المدني الفلسطيني وهيئاته، وجرى تجاوز تطلعات ورغبات قوى ودول صديقة، تطمح الى رؤية مستقبل مختلف للفلسطينيين منفصل عن الاحتلال ومستقل عنه. ان عوامل خارجية وخصوصاً من تأثيرات الجانبين الاسرائيلي والاميركي ساهمت في انهيار الحزب الفلسطيني الحاكم، لكن العوامل الاساسية، كانت داخلية، بعضها يتصل بالعلاقات داخل «فتح» وغياب الديمقراطية، وآخر يتصل بعلاقات الحزب مع السلطة والقوى السياسية الاخرى، والعلاقات التي تحكم الحزب بالجمهور، لقد كان الجوهري فيها غياب للديمقراطية وفساد وفلتان امني واستعلاء. ولاشك، ان انهيار الحزب الحاكم في فلسطين واستدعاءه انهيارات سابقة لاحزاب حاكمة في الجزائر والعراق، يطرح مستقبل الاحزاب الحاكمة في بقية البلدان العربية ومنها البعث الحاكم في سوريا والحزب الوطني الحاكم في مصر الذي كادت الانتخابات البرلمانية الاخيرة ان تطيح به
العدد 1244 - الثلثاء 31 يناير 2006م الموافق 01 محرم 1427هـ