العدد 3145 - الأحد 17 أبريل 2011م الموافق 14 جمادى الأولى 1432هـ

البحرينيون واختبار صناعة «احترام الذات»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مشكلة الديمقراطية أنها ممارسة. ومشكلة السياسة أنها فن. وما بين المشكلَتَيْن تصبح مسألة «ممارسة الفن» أمراً بالغ الصعوبة. صعوبته ليست في حدّ ذاته وإنما لارتباطه بآليات اجتماعية تخصّ مجموع الناس واتجاهاتهم ومدى اتفاقهم على تسيير شئونهم، والاتفاق على كلّ ما هو محظور أن يُطرَق لأنه مدخلٌ لصراع أهلي بسبب اختلاف المصالح بشأنه.

قبل يومين تحدثت عن رؤية الفيلسوف جون رولز حول قوانين الشعوب والعودة إلى العقل العام. اليوم أصِل الأمر بقضايا أخرى ذات أهمية بالغة، وخصوصاً أنها تحاكي أزمتنا الداخلية اليوم. فما جرى في البحرين هو إشكال سياسي انحدَر بسرعة فائقة نحو صراع طائفي أثر بشكل كبير على الحالة الاجتماعية للناس وسط مسعوريّة خطاب بعض القيادات الدينية والسياسية العدميّة التي زادَت الأمور تعقيداً واشتباكاً دون أن تقدِّم أدنى رؤية سياسية ووطنية لما يجري، وهو وزرٌ عظيم ارتكبته وترتكبه بحق هذا البلد وناسه.

مدخل الحديث اليوم والموصول بسابقه هو أن للدول مصالح بالبداهة. لكن التأكيد الآخر هو أن للشعوب مصالح أيضاً. مصالح الشعوب تتشكّل من الرؤية المعقولة «للعدالة» حسب تعبير رولز. هذه الرؤية تجعلها قادرة على حماية استقلالها السياسي وثقافتها ورؤيتها للحريات المدنية التي تنالها. في موازاة ذلك فإن الأمر الأكثر أهمية في تلك الرؤية هو نشوء ما يُسمَّى باحترام ذات الشعوب والتي عبّر عنها العالِم السويسري الشهير جان جاك روسو.

هذه المفردة غاية في الأهمية ويُمكن البناء عليها من خلال معرفة مصادر ذلك الاحترام لذات الشعوب. يتعزَّز ذلك الاحترام من إقامة مجموعة من السياسات اليومية القائمة على تاريخ هذا الشعب أو ذاك وإنجازاته والقضايا المشتركة التي تمَّ الدفاع عنها بالمجموع الذي لا يعرف الجهويّة ولا الفئوية، مع ضرورة استمرارية التواصل والالتقاء عبر المؤسسات السياسية والاجتماعية، والتي تمنح الأفراد قدرة على فهم التعايش وإقامة حياة مشتركة وعادلة.

في البحرين ومنذ بداية القرن المنصرف كانت البلد تعيش على وقع سلطات غير مكتملة بسبب التواجد الإنجليزي الأمر الذي حالَ دون أن تتشكّل سلطة طبيعية تكون راعية لشعب آخذ في التطوّر طبقاً لإيقاع تطوّر الحالة الإدارية للدولة. بعد التغييرات التي حصلت في العالَم ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ومن ثم بروز القضية الفلسطينية بعد النكبة ووصول المدّ الأحمر إلى تخوم العراق وإيران وظهور الناصرية بدأت الأحوال تتبدل في الداخل.

لقد أضحى الحراك الاجتماعي والسياسي في البحرين بعد تسرّب الناصريّة وبعدها اليسار إلى الشباب البحريني آنذاك إلى حصول سباق في التفكير ما بين الحكم وبين مجاميع الشباب التي أثبتت أنها تسبق الدولة في طرق الأسئلة المُلحَّة والمتعلقة بمسألة الحقوق ومناهضة الاستعمار وحتى في قضايا التكافل الاجتماعي والدفاع عن الأمور المعيشية للناس والفقراء.

ومن الأهميّة بمكان الإشارة هنا إلى دور التعليم في تحريك ذلك النشاط. ففي العام 1931م كان عدد التلاميذ في البحرين لا يتجاوز الـ 500 تلميذ و100 تلميذة فقط. لكنه وفي العام 1946 كان عدد التلاميذ قد ارتفع إلى 1750 تلميذاً و1282 تلميذة. وإلى 4500 تلميذ و2300 تلميذة في العام 1953م. وإلى 7500 تلميذ و3386 تلميذة في العام 1955م. أضِف إلى ذلك قيام بعض العائلات الطليعية بإرسال أبنائها إلى القاهرة وبيروت للدراسة الأكاديمية، واحتكاكها بالتيارات الأم نظراً لطبيعة التركيبة الثقافية للشمال الإفريقي ومنطقة الهلال الخصيب.

كما أن توسّع العمران الذي حصل على حوافّ العاصمة المنامة وبروز المدنية بمعناها العمراني والمعيشي، وكثرة المشاريع السكنية حتى منطقة البديع قد كَثَّر من عدد سكان المدن في البحرين. ففي الوقت الذي كان عدد سكانها (المدن) لا يتجاوز 45.600 في العام 1941 وصل سكانها إلى 68.819 في العام 1971م. وهو ما أدى إلى تبدّل في الميول لدى الناس ونظرتهم إلى الأشياء وإلى الحياة بعمومها وهمومها كذلك.

في كلّ الأحوال فقد أثرى ذلك المجموع النابِه والتمدد البشري والعمراني الحالة المجتمعية في البحرين إلى درجة كبيرة رغم أن التعليم آنذاك كان جنينياً وفي مراحله الأولى، لكن القضاء على الأميّة ومعرفة أبجديات الإدراك كانت كفيلة بمحاكاة ما يجري في الداخل والإقليم من قضايا كبيرة، وجعل القابليات في أوجها لأن تتأثر بالحركات التحررية ودعوات الإصلاح والنُّصرة الأممية للعرب في قضايا مشتركة كالقضية الفلسطينية ومناهضة الاستعمار.

وبالرجوع إلى أصل الفكرة، فإننا نجد أن مسألة بروز رؤية وطنية للمصالح بين البحرينيين وبالتالي إرساء تاريخ مشترك يُؤسس إلى احترام ذات الشعب البحريني كانت قد بدأت فعلاً. رأيناها تتمظهر في النوادي الاجتماعية والثقافية والرياضية التي كانت منتشرة وفي الجمعيات وفي القضايا السياسية الكبرى التي جرت في البحرين سواء في الثلاثينيات أو الخمسينيات والستينيات والتي بانَ انكشاف المستعمر الإنجليزي أمام حقيقة الإنجاز القائم.

التطور الأهم في ذلك الحِراك كان في بداية انتصار الحالة الوطنية على الحالة الطائفية والفئوية. فالزعامات السياسية التي كانت تنشط آنذاك صمَّت آذانها وأغلقت ذاكرتها أمام انتماءاتها المذهبية. وأصبح الجميع يُفكِّر بطريقة شاملة وبغطاء وطني أكبر. ولم يعد يتحرَّج ذلك المجموع من استخدام الآليات الاجتماعية والدينية المشتركة نصرة لقضايا أكبر.

لكن الظروف التي جرت حينها من الصِّدام ما بين هذا الحِراك والحكم وكذلك المستعمر الإنجليزي وما تلى ذلك من تصدّع بين قياداته وكذلك ظروف الدولة في السبعينيات وما بعد الاستقلال أفقدته القدرة على النماء والتطوّر وإنتاجه لمجتمع مختلف في رؤيته للأمور وإلى القضايا الوطنية والمصالح المشتركة للبحرينيين، وهو ما أسهم في بروز بدائل سيئة جداً.

في كلّ الأحوال، بقِي التأسيس أو التأصيل للأمر قائماً لكنه كان ينتظر إلى مَنْ يضعه في سياق المشروع الوطني الأشمل. وللأسف نقول إن الحالة الدينية فشِلت في أن تنهض بذلك الأمر رغم أن طيلة العقود الثلاثة الماضية كانت مقطعاً زمنياً «حصرياً» لها. ربما لأسباب كثيرة قد تكون إحداها الحالة الحزبية التي اجتاحت التيارات الدينية إلاّ أن الأمر لا يمنع التساؤل عن ذلك الأمر، وإبداء الاستغراب بشأنه. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3145 - الأحد 17 أبريل 2011م الموافق 14 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً