شهد الشهر الأول من العام الجديد هجمةً «مرتدةً» من جانب إدارات العلاقات العامة في عدد من وزارات الدولة وأجهزتها، بعد طول سبات، الردود التي تلقتها الصحيفة في الفترة الأخيرة على عدد من الزملاء تنم عن حال من الثورة والنهضة الثقافية الشاملة، كما تكشف من جانب آخر عن العقلية التي تتحكم في العلاقات العامة، وسوء فهمها لوظيفتها المفترضة. فالقتال العنيف في الدفاع عن النفس والمنصب ظاهر في تضاعيف هذه الردود الطويلة والمملة من سطورها الأولى. وفي مقابل سوء الفهم للوظيفة المرتجاة من هذه الدوائر، فانها تقع في خطأ فكري كبير، بظنّها أن طول الرد ينم عن قوة الموقف، وصحة السياسات، وانه كلما أطلت وأسهبت، فإنك تفحم الطرف المنتقد، ولن أكشف سراً إذا صارحتهم بأن هذه النظرية خاطئة تماماً، فكلما طال المكتوب قل قارئوه، وإذا أرادت هذه الإدارات أن توصل معلومة صحيحة، أو تدافع عن موقف معين، أو تقنع قارئاً، فعليها أولاً أن تلتزم الاختصار، فالناس مشغولون بمعاشهم وحياتهم عن قراءة المطولات المملة جداً، ولكي لا يكون الكلام عاماً، فإني سأقف معكم على نماذج من هذه الردود المتشنجة، والتي تنقصها الرزانة والحكمة في الكثير من الأحيان. فالزميلة ندى الوادي كتبت مقالاً قصيراً وواقعياً عن موقف المجلس الأعلى للمرأة، الذي يريد أن يحتكر تمثيل المرأة البحرينية، فجاء الرد في اليوم التالي عاصفاً. المجلس الأعلى للمرأة، هذه المؤسسة «المرهفة الأحاسيس جداً» اعتادت الصحافة على ردودها السريعة، فهي لفرط حساسيتها لا تقبل أن تنام ليلة واحدة من دون أن ترد على منتقديها، وبصورة مطولة تفحمهم بها إلى درجة تجعلهم لا يفكرون في إعادة الكرة مرة أخرى، كلما رأوا خطأ أو نقصاً أو اعوجاجاً، فمثل هذه المؤسسة لا تخطئ ولا تنحرف ولا تقول إلاّ صدقاً، أليست هي الممثل الشرعي والوحيد للمرأة البحرينية، التي ما فتئت تناضل من أجل حقوقها كمواطنة منذ 50 عاماً؟ وإذا أردنا الصراحة، فإن موقف المجلس الأعلى للمرأة من إصدار قانون الأحوال الشخصية، كان أحد أسباب تعثر هذا القانون، وتأليب الجمهور العريض ضده. ومثل هذا الرأي الصريح قد يستدعي استنفاراً غداً في أرجاء المجلس، وردّاً مطولاً جداً يفحمني أنا الآخر، الزميل أحمد الصفار كتب عن مجموعة من المواطنين، يشكون من وجود محطة فرعية للكهرباء مكشوفة، ما يعرّض أطفالهم للخطر. وجاء الرد كهربائياً عاصفاً وطويلاً ومملاً أيضاً، فهو لم يناقش أساس المشكلة وانما كان أشبه بالدوران حول النفس، والزميل عندما ناقشته في الموضوع قال انهم لم يفكروا في حياة هؤلاء الأطفال، ومع ذلك هل تتصور أن الناس تقتنع بردودهم، وخصوصاً عندما يرون أن منطقتهم غير مزوّدة بالإضاءة وهم يقولون اننا نقوم بعملنا على أحسن وجه، الأوقاف الجعفرية، التي تعرّضت على مدار عامين لسيل من الانتقادات العنيفة، على يد الزميل السيدضياء الموسوي، الذي تناول سيرتها طوال شهر محرم قبل عامين على منبر مأتم رأس الرمان، وخصّص 25 مقالاً لكشف التجاوزات الكبيرة، وتورّط بعض أعضاء الإدارة في أعمال غير مقبولة، لم تتمالك نفسها في الردّ بصورة عنيفة وغير متزنة، على الزميل الباحث الاقتصادي جاسم حسين، الذي يكتب عن اقتصاد البلد بلغة أكاديمية سهلة للجمهور، وفي الفترة الأخيرة كان يستعرض ما جاء في تقرير الرقابة المالية، على عشرين حلقة، والذي صدر عن هيئة رسمية، لرصد تجاوزات غالبية وزارات وإدارات وأجهزة الدولة، لم يصدر عن أي منها رد رسمي أو احتجاج غير هذه الإدارة النائمة، الطريف ان مقال جاسم حسين لم يتجاوز 525 كلمة، كان نصيب الأوقاف السنية منه (151 كلمة) والاوقاف الشيعية (150 كلمة) وأموال القاصرين (87 كلمة)، لم يردنا ردٌ من غير هذه الادارة التي «انتفضت» على حملة الافتراءات والمواقف المشبوهة التي تستهدف رأس الأوقاف الجعفرية، على أن أذكى «علاقات عامة» في الدولة، هي وزارة التنمية الاجتماعية، التي بعثت رداً «مفحماً» على نقد سابق لموقفها في هذا العمود تجاه الصناديق الخيرية قبل شهر رمضان المبارك، ولكنها أدركت خطأها في اليوم التالي وطلبت سحبه من النشر، وإلاّ لو نشر لكان فضيحةً من العيار المضحك، تعلّموا يا جماعة من وزارة التنمية «الذكية»، وتجاوزوا أخطاءكم المملة، واعلموا أن الردود الأخيرة لا تفحم صحافياً يدافع عن قضية عادلة، ولا تقنع مواطناً يرى التجاوزات والأخطاء رأي العين. ألا قد بلغت؟ اللهم فاشهد،
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1243 - الإثنين 30 يناير 2006م الموافق 30 ذي الحجة 1426هـ