تسبب التأجيل المتكرر لمحاكمة الرئيس السابق صدام حسين ومعاونيه بالإضافة الى استقالة كبير القضاة رزكار محمد أمين علاوة على الأسلوب المفرط في الصرامة للقاضي الجديد رؤوف رشيد عبدالرحمن، في كثير من الشكوك بشأن المحكمة وكفاءة القضاء العراقي نفسه. فمنذ أن بدأت المحاكمة في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عقدت المحكمة نحو ثماني جلسات جميعها تركزت على قضية واحدة هي قضية الدجيل وذلك من بين عشرات التهم الموجهة للطاغية العراقي ما يستوجب الامر سنوات حتى يعدم صدام أو يقضي الله أمرا كان مفعولا. والغريب في الامر عدم وضوح الرؤية من وراء التأجيل المتكرر واستقالة القاضي رزكار. ولكن إذا نظرنا للأسلوب المتشدد الذي استهل به القاضي الجديد الجلسة الأخيرة يتضح أن السبب من وراء استقالة رزكار هو عدم رضا الحكومة وحتى الولايات المتحدة عن التساهل الذي منحه الأخير للمتهمين ما جعلهم يوجهون خطبا سياسية هدفها خارج قاعة المحكمة. ولكن التشدد المفرط للقاضي عبدالرحمن أخل بسير العدالة وجعل الجلسة فوضوية شبيهة بمسرحية «مدرسة المشاغبين»، كما أن تعيينه لمحامين لم يطلعوا على القضية ولم يحصلوا على توكيل المتهمين، اثر انسحاب فريق الدفاع، فيه تجاوز كبير للقانون. وفي الواقع، تشكيل المحكمة على أسس طائفية كان كارثيا منذ البداية على مسارها. فالقاضي كردي دائما، وممثل الادعاء شيعي، وفريق الدفاع سنيون ما ألغى شكوكاً بشأن قدرة المحكمة على إجراء محاكمة عادلة لاشك ستكون في غير صالح الدكتاتور السابق. ولذلك تنادي منظمات حقوق الإنسان بإجراء المحاكمة خارج العراق وهذا طبعاً ما يسعى إليه صدام. فقد وزعت هيئة الدفاع في العاصمة الأردنية (عمان) نص دعوى قضائية تعتزم رفعها باسم موكلها ضد كل من الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في العاصمة الهولندية أمستردام. خطورة هذه الخطوة هي انها ترفع العبء عن صدام وتلفت انتباه الرأي العام العالمي نحو بوش وبلير في ارتكابهم جرائما حرب في العراق منها استخدام أسلحة محرمة والابادة الجماعية وتعذيب السجناء. وهكذا يريد صدام وأعوانه الالتفاف حول المحكمة التي من المتوقع أن تتحول الى مهزلة وخصوصا إذا تحولت الى خارج العراق. والخاسر الأكبر من ذلك الشعب العراقي المتضرر الرئيسي الذي يتظاهر في كل جلسة مطالبا بإعدام الرئيس المخلوع، من خلال محاكمة عاجلة لا تخضع مجرياتها الى تطورات العملية السياسية والمكاسب الانتخابية
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1243 - الإثنين 30 يناير 2006م الموافق 30 ذي الحجة 1426هـ