لماذا دائماً تفوز الحركات والمنظمات والهيئات الإسلامية بالغالبية النسبية في الدورات الانتخابية التي تتجرأ بعض الدول العربية على عقدها؟ ولماذا تتخوف الانظمة العربية من فتح باب التنافس الديمقراطي وتميل دائماً إلى الانغلاق على نفسها والانفصال عن شعوبها؟ الاجابة عن السؤال الأول نجدها في السؤال الثاني. فالمخاوف التي تعاني منها الانظمة سببها الأساسي يعود إلى أنها تعلم قبل غيرها أن التيارات الإسلامية تملك زمام المبادرة وتتمتع بشعبية غير متوافرة في الاحزاب الأخرى. وتدرك الانظمة أن الانفتاح والإصلاح والديمقراطية وحق الإنسان في التعبير عن رأيه كلها مفردات تصب في اتجاه واحد: عودة الإسلام إلى السلطة. الديمقراطية في الدول العربية والإسلامية تعني نتيجة سياسية مشتركة وبالتالي فإن الانظمة تجد نفسها محشورة في زاوية ضيقة: إما الاستبداد ورفض المصالحة بين الدولة والمجتمع وإما الإسلام واعطاء دور للقوى الإسلامية في ممارسة حقها المشروع في بناء مستقبل الأمة. هذا المنطق شكل نقطة قوة في تعامل بعض الانظمة العربية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فهذا البعض كان يدافع عن استبداده ويبرر تسلطه وتمسكه بمقاليد الحكم انطلاقاً من تخويف الغرب بحصول مثل هذا الاحتمال. بعض الانظمة كان يقول لواشنطن إن السياسة في المنطقة العربية يجب أن تقوم على معادلة إما الاستبداد وإما الإسلام... وليس الديمقراطية أو الإسلام، بذريعة أن الديمقراطية تساوي الإسلام أو تعني وصول الإسلاميين إلى الحكم. وما حصل في العراق ومصر وفلسطين يمكن أن يتكرر في كل دولة عربية من المغرب إلى المشرق ومن المحيط إلى الخليج. على قياس هذه المفاضلة والتخويف من سلبياتها اعتمدت تلك الانظمة على دعم أميركي وحماية أمنية ورعاية اقتصادية وضمانات سياسية. فواشنطن وخصوصاً في فترة «الحرب الباردة» مع موسكو، كانت تميل إلى تفضيل خيار الاستبداد على الديمقراطية لأن الأول يضمن مصالحها من الانهيار بينما الثاني يعني عودة الإسلام إلى ممارسة دوره المغيب من مسرح السياسة. السؤال: هل تغير الموقف السياسي الأميركي من المعادلة التي استخدمتها بعض الانظمة طوال أكثر من نصف قرن بعد سقوط المعسكر الاشتراكي؟ أميركا تغيرت قليلاً وليس كثيراً، فهي لاتزال تعتبر الإسلام حتى الآن عدوها الأول في المنطقة والعالم، وتشاركها دول الاتحاد الأوروبي في هذا الرأي. وهناك الكثير من دول العالم الكبرى والصغرى ترى في الإسلام عدوها الأول حتى لو افتقدت المبررات المقنعة لتوضيح صورة هذا الموقف السلبي. لم تتغير إذاً رؤية أميركا وأوروبا للإسلام كثيراً، كذلك مواقف بعض الدول العربية من الديمقراطية. فالحذر من الإسلاميين لايزال يشكل قاعدة مشتركة تجمع بعض انظمة القمع والاستبداد إلى جانب مخاوف تاريخية تأسست عليها السياسات الدولية. إلا أن «الحاجة أم الاختراع» وأميركا الآن تحتاج إلى فترة راحة بعد طول نزاع انتهى إلى مزيد من الكراهية والقليل من الإصلاح، والحاجة احياناً تفرض على الآخر القبول بالخيارات الصعبة حتى لا تستمر المشكلات وتقع كارثة يصعب احتواء تداعياتها. القبول الأميركي الأوروبي بالتعامل مع الإسلاميين واحياناً السماح لبعض منظماتهم بخوض الانتخابات أو الوصول إلى السلطة (كما حصل في تركيا مثلاً) لا يعني مطلقاً أن الولايات المتحدة تغيرت استراتيجياً وباتت تقبل بنتائج اللعبة من دون تدخل أو تعديل، فهذا القبول محكوم بمعادلة ميدانية يصعب تجاوزها أو كسرها وهي أن الغالبية العظمى من سكان الدول العربية مسلمة وأن نسبة عالية من الناس تميل إلى تأييد الإسلاميين، وهذه الحقيقة من الثوابت سواء قبلت بها واشنطن أو لم تقبلها. فالناس عادة تختار من يشبهها ويمثل مصالحها وهذا الواقع فرض شروطه. وما نراه الآن هو الصحيح.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1243 - الإثنين 30 يناير 2006م الموافق 30 ذي الحجة 1426هـ