قال عدنان المفتي (رئيس برلمان كردستان) إن «عملية توحيد إدارتي الإقليم فرضها الواقع العراقي الجديد والوضع الكردي»، وقال: «هناك عدد من العوامل فرضت على القيادة الكردية إنجاز مشروع الوحدة، مثل: 1 ظروف العراق الفيدرالي الجديد، والوضع الكردي ما فرض على القيادة الكردية توحيد جهودها وقواها. 2 في ظل وجود حكومتين للإقليم، عملت كل حكومة على حدة لتشكيل مناخ وبناء مؤسسات وان هذه المؤسسات قائمة وتفعيلها يتطلب تسخير طاقة الحكومة الموحدة إذ لا يمكن إنجاز مشروع نموذجي... والإقليم بحكومتين. 3 عملية توحيد إداراتي إقليم كردستان تعزز موقع الكرد وموقع العراق الفيدرالي. 4 ظروف كردستان والتي تكمن في بناء مؤسسات قوية ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك بقاء مناطق من كردستان مثل سنجار وكركوك وغيرها خارج إطار الإقليم يتطلب توحيد الجهود والمواقف، اضافة الى ان الأكراد في وضع بناء العراق الجديد والفيدرالي. كل ذلك يتطلب الوحدة والشراكة الفاعلة والحقيقية». هذا ما قاله عدنان المفتي. اذاً هذه الظروف كانت أقوى من المزاج الكردي ودفعتهم الى توقيع الاتفاق (وهو شبيه باتفاق واشنطن 1998بين الأكراد) بين رئيس الديمقراطي الكردستاني، الرئيس الحالي لإقليم كردستان مسعود البر زاني ورئيس العراق ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني الذي قال: «لقد دل هذا الحدث التاريخي المهم على استجابة القيادة الكردستانية عموما والحزب الديمقراطي الكردستاني خصوصا لنداءات ورغبات جماهير كردستان وتطلعاتها المشروعة نحو الوحدة الوطنية وحكم القانون والشرعية في إقليم كردستان أولاً وعلى نضج القيادتين وادراكهما لمسئوليتهما الوطنية ووعيهما بالشعور الوطني الذي يضع مصالح الشعب فوق المصالح الحزبية والمحلية الضيقة ثانياً. وعلى تحقيق الوعود للجماهير ثالثا... هذا الإنجاز الكبير سيخدم العراق ومسيرة شعبه الديمقراطية السياسية ويحصن كردستان العراق التي غدت قاعدة صلبة للديمقراطية والوحدة الوطنية والتوافق الوطني، كما يعطي مثلا حيا لكيفية حل القضايا المستعصية بالصبر والتأني والتروي والتوافق والمشاركة الأخوية في عراقنا الجديد»، وقال البرزاني رئيس كردستان عن هذه المناسبة: «انه من دون وجود عراق ديمقراطي لا تحل مشكلات كردستان ولا مشكلات الآخرين. عندما توليت مسئولية رئاسة الاقليم كان هدفي من وراء ذلك تأسيس مؤسسات دستورية وقانونية... ليس مهما من يأخذ أي موقع، لكن المهم ان يوجه هذا المسئول نحو تأسيس حكومة مؤسساتية... حان وقت النضال المدني والسياسي والدستوري وانتهى النضال المسلح والتعاطي مع جميع المسائل بشفافية وعدالة... السلطة المطلقة تؤدي الى تفشي الفساد ولهذا يجب ان تتوزع السلطات وتتمتع بشفافية عالية». أعلنوا الاكراد الاتفاقية بين الحزبين الرئيسين في (7) يناير كانون الثاني، وأرادوا أن يقدموا خبر توحيد الإدارتين الكرديتين هدية العيد وفور وصول الخبر بان قيادتي الحزبين الكرديين توصلا إلى اتفاق طوي بموجبه صفحة الشقاق والشرذمة، قطعت فضائية «التآخي» وهي الفضائية العائدة لرئيس الحكومة الكردية نيجرفاني البرزاني بثها المعتاد لمتابعة خبر التوحيد خطوة بخطوة، الأمر الذي عمّ سائر كردستان العراق وأماكن وجود الأكراد عموماً بأجواء من الانفراج والفرح، بعد أن حُسمت أخيرا الخلافات بين الحزبين الكرديين الرئيسين باتفاق على توحيد الإدارتين في أربيل والسليمانية، عقب جدل استمر أكثر من 5 سنوات. الاتفاق الكردي من دون شك يأتي ضمن لملمة ما شرذمته ظروف الانشقاق في حكومة كردستان (التي تأسست لأول مرة بعد أن حصلت الانتخابات في 1991) وذلك بعد أن حصل الاقتتال الذاتي بين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني في العام 1994 وراح ضحية الاقتتال أكثر من 4 آلاف شخص من الكردستانيين ومنذ ذلك الحين يدير الاتحاد الوطني مناطق نفوذه في السليمانية والديمقراطي الكردستاني في أربيل وتم الوصول إلى الاتفاق قبل أربعة أعوام حول توحيد البرلمان، فيما بقيت إدارتا الإقليم منقسمة وقيد التأجيل.
رص الصف الكردي يقوي العراق عامة... معنى الوحدة...
يمكن القول... أخيراً... استطاع الأكراد أن يوحدوا قواهم ورص صفوفهم عبر توحيد إدارتي إقليم كردستان التي طالما نادى الكردستانيون وفي كل أصقاع العالم (الداخل والمهجر) بها بتوحيد الحكومتين (حكومة الديمقراطي الكردستاني في أربيل وحكومة الاتحاد الوطني في السليمانية) ووصف الكرد هذا الاتفاق بأنه ليس لنية الانفصال بل رداً على التشرذم وعدم الوفاق وانه يدعو إلى الشراكة الفاعلة. وبحسب عدنان المفتي إن: «ظروف كردستان لا تسمح أن نكون منقسمين وعصر الشقاق ولى إلى غير رجعة إذ لا أحد من الأطراف سيفكر في العصر الحالي بالعودة إلى الشقاق والحروب لان بناء الفيدرالية والعراق الجديد يفرض علينا أن نكون متفقين ومتوحدي المواقف». هذا التوحيد قيّم الكرد عموماً بأنه خطوة مهمة لتعزيز موقع الأكراد في العراق والمنطقة. الكثير من المهتمين بالشأن الكردي قيموا توحيد الادراتين الكرديتين على انه أتى كـ «ضرورة تاريخية ملحة لمرحلة التحولات الديمقراطية، ليس على الصعيدين الكردستاني والعراقي فحسب بل وعلى صعيد المنطقة بأسرها، فهذا التغيير الديمقراطي على الصعيد العالمي والمرتبط بمحاربة شبكات الإرهاب العالمية والمنعكس إيجابا على قضية شعبنا الكردي، فرض على قادة الحركة التحررية الكردية مسئوليات تاريخية جعلها تكون بمستوى الحوادث وتطوراتها. إن توحيد الإدارتين لم يكن ضرورة سياسية واقتصادية واجتماعية على صعيد الوضع في جنوب كردستان فحسب، بل إن آثاره ستنعكس إيجابا على الصعيد العراقي وذلك باعتبار الحركة التحررية الكردية احد أهم الفصائل الديمقراطية العراقية، إضافة إلى تأثيراتها الايجابية في تطور الحركة التحررية الكردية في بقية أجزاء كردستان وإلى مساهمتها في تعزيز وتطوير وتقوية قوى التغيير الديمقراطي في المنطقة. هذا التوحيد هو خطوة أساسية وجذرية في مسيرة بناء المجتمع المدني ودولة المؤسسات الدستورية في كردستان من جهة، وضمان حقيقي لمسيرة البناء الديمقراطي في العراق ككل» مقتطفات من الموقف حزب «الفيلي الكردي» ورأى أمير الايزيدية. وتمنى أن يكون التوحيد «خطوة جدية في بناء صرح الحرية والديمقراطية، وتحقيق كل أماني الكرد وكردستان». ولا نستغرب ان التوحيد بحسب بعض الكتاب الاكراد سوف لن ينعكس ايجاباً لو لم يسبقه الاصلاح والتغيير فالكاتبة الكردية تيلي أمين كتبت في موقع الكتروني للحزب الديمقراطي الكردستاني بأن قرار توحيد الإدارتين يجب أن يعقبه الإصلاح والتغيير: «إن قرار توحيد الحكومة على رغم كل أهميته كحاجة مادية وغطاء معنوي مطلوب يبقى خطوة يجب أن تتلوها خطوات أخرى للسير بالتجربة الكردستانية إلى الأمام والتخلص من عوامل الركود والانكماش التي تؤدي في النهاية إلى الجمود والمراوحة... نأمل أن تكون الحكومة الموحدة بداية عهد التغيير والإصلاح في كردستان». وهناك من رأى أن «ترتيب البيت الكردي وتأسيسه ضرورة قصوى لتحقيق التحولات الجارية والقادمة التي ينتظرها الكرد بفارغ الصبر... وتعليق الأمر والتبشير الممزوج بالتمنيات والآمال من دون الأعمال، لا يمكن أن تنتج عنهما إلا السلبيات واعتماد العفوية وإضافتها إلى ما تقدم من النكسات الإدارية وإفرازاتها وسلبياتها، والمتضرر الوحيد هو الشعب والقضية... وإن كانت العوائق أمورا فنية وتقنية فان الإصلاح وتوحيد البيت الكردستاني ليسا بخارجين عن صلاحيات وقابليات البرزاني الرئاسية، لاسيما في هذا الوقت الذي يتوافر فيه الفهم المشترك والود والمصلحة الجامعة بين الأطراف أكثر من السابق» محسن جوامير. أما الكاتب محمود الو ندي فقال: «إن توحيد الإدارتين في كردستان في كيان موحد هي خطوة كبيرة على طرق تحقيق حقوق الشعب الكردي المشروعة، وبداية الحرية في تقرير المصير والتوحد على أسس المساواة والعدالة الاجتماعية، وأنها التمهيد الأكيد لبداية الديمقراطية والفيدرالية وبناء المجتمع المدني في ربوع كردستان والعراق الجديد، هي الأمل الوحيد لنا في الحصول على الأمن والأمان والحياة الأفضل... توحيد الإدارتين أعتبرها تحويلاً جوهرياً في فهم عملية الديمقراطية هي خطوة جيدة وأيجابية لبناء شخصية كردية تعبر عن أرائها وتمارس كل حقوقها ضمن منظماتها ومؤسستها، وإرساء مبادئ دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الكردستاني المدني». بقي القول ان الأكراد طووا صفحة مريرة من حياتهم السياسية والاجتماعية، وان هذه الصفحة سوف لن تطوى اذا لم يقوموا بعمليات جدية نحو التغيير الشامل ويضعوا الشعب امام المسئولية البناء عبر اشراكهم بالعملية السياسية والمدنية، ونبذ كل ما هو مسيء لكرامة الاكراد وعزتهم لأنه السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة وبناء المجتمع والحكم المدني الذي يناقض كل ما هو له علاقة بالاستبداد الذي قصي الأكراد من طريقه وممارسته، * كاتب سوري كرد
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1242 - الأحد 29 يناير 2006م الموافق 29 ذي الحجة 1426هـ