كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ماهية التنمية السياسية ودور معهد البحرين للتنمية السياسية في ترسيخها، كما افتعلت ضجة عن دور معهد الـ NDI وعلاقته بمعهد البحرين للتنمية السياسية ومحاولة هذا الأخير فرض وصاية عليه ومنعه من العمل. ومن ثم بات لزاما على معهد البحرين للتنمية السياسية أن يعرض لبيان معنى التنمية السياسية وفقا لأهدافه كما وردت في مرسوم إنشائه وبيان علاقته بغيره من معاهد التنمية السياسية الأجنبية، ومنها معهد الـ NDI. إن معهد البحرين للتنمية السياسية هو معهد تدريبي متخصص تم إنشاؤه في إطار المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وذلك بهدف نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتنمية الوعي السياسي المحلي بين المواطنين ودعم ثقافة الحوار وتبادل الرأي والقبول بالآخر وترسيخ مبدأ المشروعية وسيادة القانون في ظل احكام ميثاق العمل الوطني والدستور، وتوفير برامج التدريب لأعضاء مجلسي الشورى والنواب وأعضاء المجالس البلدية والعاملين بوزارات الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وكل من يرغب بالتدريب من الدول الأخرى، وكذلك اعداد مؤهلين للانخراط في العمل السياسي المحلي ويباشر المعهد جميع المهمات والصلاحيات اللازمة لتحقيق اغراضه وله بوجه خاص: 1 تحديد برامج التدريب والدراسة والبحوث التي تلائم مختلف فئات الشعب. 2 عقد دورات تدريبية خاصة بالثقافة الديمقراطية لمختلف فئات الشعب. 3 عقد الندوات واللقاءات المختلفة لجميع فئات الشعب من أجل تنمية الوعي بالمشاركة في الحياة السياسية بمختلف اشكالها. 4 جمع ونشر وحفظ الوثائق والمبادئ والابحاث والمعلومات الدستورية وغير ذلك مما يساعد على نشر ثقافة الديمقراطية. وهذه الاغراض تضمنها المرسوم رقم (39) لسنة 2005، بإنشاء وتنظيم معهد البحرين للتنمية السياسية. ومن هذا السياق يمكن فهم مصطلح التنمية السياسية الذي يحمل المعهد اسمه ومن ثم تكون هذه الاغراض هي البرامج التي يعمل المعهد على تحقيقها. واجتمع مجلس الأمناء وأعلن انه في سبيله لتنفيذ هذه البرامج بالتعاون مع كل من UNDP، جامعة البحرين، ومعهد الدراسات السياسية بفرنسا، واقر المجلس توقيع مذكرات تفاهم بين المعهد وهذه المؤسسات من أجل الدعم الفني والاستفادة من الخبرات والتجارب التي من شأنها ان تساهم في تفعيل برامج وآليات العمل في المعهد. كما رغب معهد البحرين للتنمية السياسية في سبيل القيام بمهماته الاستعانة والاستفادة أيضاً من خبرات المعهد الديمقراطي الوطني للشئون الدولية (NDI) احد مؤسسات الحزب الديمقراطي ويتخذ هذا المعهد من واشنطن دي سي مقراً رئيسياً له ويموله الكونغرس الأميركي وهو المعهد الذي يسعى طبقاً لأهدافه المعلنة الى توطيد الديمقراطية ونشرها عبر العالم مستعينا في ذلك بشبكة دولية من الخبراء لترسيخ مفهوم الثقافة الديمقراطية القائمة كما هو معلن على مبدأ المشروعية وسيادة القانون. وقد سمح لمعهد الـ NDI استثناء بمزاولة بعض الأعمال في مملكة البحرين في المرحلة الأولى لعملية التحول الديمقراطي مراقبة الانتخابات البلدية والنيابية ولم يكن السماح المؤقت مطلقا أو دائما، وبعد اصدار قانون الجمعيات السياسية وإنشاء معهد البحرين للتنمية السياسية كان لابد من تقنين وتنظيم الوضع القانوني لمعهد الـ NDI اذا ما اراد الاستمرار في مزاولة عمله ولاسيما أنه معهد من بين أهدافه المعلنة ترسيخ مبدأ المشروعية وسيادة القانون عماد الديمقراطية، وهو ما اتفق عليه الطرفان في البيان المشترك الصادر عنهما بتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني 2006، إذ جدد الطرفان معهد التنمية ومعهد الـ NDI رغبتهما واستعدادهما للتعاون وفق منهجية علمية موضوعية تحقق اهدافهما المرسومة التثقيفية والاجتماعية المرتكزة على تعزيز قيم الديمقراطية واحترام مبدأ سيادة القانون، وهذا لا يتسنى الا اذا قنن معهد الـ NDI وضعه القانوني داخل المملكة، وهذا لا يعني فرض وصاية عليه أو خنق أعماله والا كان القول بغير ذلك فيه خرق للقانون وخروج على احكامه وفتح للساحة لكل من هب ودب من مؤسسات أجنبية للعمل داخل المملكة من دون رقيب أو حسيب بحجة التدريب لتمويل المؤسسات المدنية والسياسية عن طريق مباشر أو غير مباشر بما يخالف قانون الجمعيات السياسية، ما سيجعل البحرين ساحة تتقاتل وتتصارع فيها القوى السياسية الاجنبية والتيارات الفكرية المختلفة بما لا يخدم الديمقراطية والتنمية السياسية. فكل ما هو مطلوب إذاً أن يقنن معهد الـ NDI وهو معهد اجنبي يرغب في نشر ثقافة الديمقراطية والتنمية السياسية وضعه القانوني أولاً وله بعد ذلك العمل على تنفيذ برامجه طبقا للقانون الوطني والنظام العام والآداب في مملكة البحرين، وهو النظام الذي تتبعه جميع دول العالم من دون استثناء، فلا عجب أو دهشة ان تتبعه مملكة البحرين حرصا منها على تطبيق قوانينها وتحقيق مصلحة مواطنيها وحفاظا على سيادتها طبقا لميثاق الأمم المتحدة واحكام القانون الدولي العام. ومن هذا المنطلق فقد رحبت جميع المعاهد والمؤسسات العلمية والوكالات الدولية المتخصصة المشار إليها ابتداء في التعاون مع معهد البحرين للتنمية السياسية من خلال مذكرات تفاهم توقع بين الجانبين طبقاً للقوانين المحلية والدولية ولم تثر بشأنها ضجة كتلك التي افتعلتها بعض الصحف بالنسبة إلى معهد الـ NDI ولاسيما ان الولايات المتحدة الأميركية وهي من الدول الراعية لمنتدى المستقبل قد قبلت بميثاق الشرف الذي صدر عن منتدى المستقبل الذي عقد في مملكة البحرين والذي انتهى الى الاتفاق على منع تمويل الاحزاب والجمعيات السياسية وهو ما يتفق مع احكام قانون الجمعيات السياسية بمملكة البحرين. إن تقنين وضع معهد الـ NDI بما يتفق والقوانين النافذة فيه مصلحة لهذا المعهد وليس خنقا لاعماله أو وضع وصاية عليه كما ذهب البعض، ذلك ان المعهد قد تعرض لانتقادات عدة من قبل جمعيات سياسية ورجال دين على رأسهم الشيخ عيسى قاسم الذي أعلن في خطبة الجمعة من على منبره بمسجد الدراز بتاريخ 23 يوليو/ تموز 2004، تشكيكه في نوايا المعهد الوطني الديمقراطي للشئون الدولية واعتبره محطة لخدمة المصالح الأميركية في البحرين من خلال استقطاب النخب، يهدف الى صوغ الجيل المقبل وامتلاك عقول الرجال والشباب والشابات وانه يحدث ولاء لأميركا بطريقة سلسة ومخطط لها تخطيطا بارعا (صحيفة «الوطن» 24 يناير 2006). وأخيراً وليس آخرا ان الدعوة الى الاستفادة من الخبرات المحلية في تدريب الكوادر الوطنية في مؤسسات المجتمع المدني في ظل منع معهد الـ NDI عن مزاولة أعماله هي دعوة حميدة ومرحب بها، إلا أن ذلك يثير تساؤلا: اليست هناك معاهد أخرى ودور خبرة للتنمية السياسية منتشرة عبر دول العالم الأول واقدم في نشأتها من معهد الـ NDI؟ فلماذا الاصرار إذاً على هذا المعهد بالذات؟، ثم من قال إن هذا المعهد قد منع من مزاولة أعماله؟ ألم يأتكم البيان المشترك بين معهد البحرين للتنمية السياسية ومعهد الـ NDI الذي اوضح فيه الطرفان انهما بصدد اعداد الصيغة الملائمة لتحقيق اقصى قدر ممكن من التعاون بينهما في اطار تنظيمي وقانوني واحترام مبدأ سيادة القانون بما يخدم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك؟ ثم كيف ينحسر البساط من تحت اقدام معهد البحرين للتنمية السياسية اذا ما اعتمدت مؤسسات المجتمع المدني على كوادرها؟ ان تدريب هذه المؤسسات هو احد أهداف هذا المعهد فإذا شذ البعض وظنوا انفسهم وحدهم على الساحة فلن يشذ الآخرون وتبقى أهداف أخرى كثيرة مهمة وتستفيد منها مختلف فئات الشعب. * رئيسة مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسي
إقرأ أيضا لـ "لولوة صالح العوضي"العدد 1242 - الأحد 29 يناير 2006م الموافق 29 ذي الحجة 1426هـ