قضية إشهار الاتحاد النسائي البحريني والحجر على عضواته من ممارسة النشاط السياسي، وبرنامج التمكين السياسي للمرأة، وبموازاة مع تصريح وزيرة التنمية الاجتماعية لصحيفة «أخبار الخليج» (21/1/2006): «بأن الجمعيات النسائية القائمة حاليا لا يجوز لها الاشتغال في السياسة وفق وضعها القانوني الحالي، فضلا عن البيان الذي أصدرته وزارتها حول استحالة التوقيع على قرار إشهار الاتحاد قانونيا بما يحمله النظام الأساسي للاتحاد من أهداف سياسية». يعني وجود تطورات قد حدثت ولا يمكن التعاطي معها إلا بمنظور سياسي، يتكشف عبره مفارقة وزيف الخطاب الرسمي نحو قضية المشاركة السياسية للمرأة، فهو عمليا يغلق المنافذ المتاحة لهذه المشاركة. وإلى تلك التطورات المهمة، ثمة حقائق متباعدة ومتقاربة ومتداخلة لا يمكن إهمالها والتغاضي عنها أو تمريرها مرور الكرام، من تلك الحقائق ما يأتي: الأولى: الحال السياسي المحلي في سياقه العام، ينبئ عن تراجع ومصادرة لحرية الرأي والتعبير وتضييق على العمل السياسي والنقابي والأهلي عموماً. بيان وزارة التنمية الاجتماعية ونهجها المتشدد في التعاطي مع التشريعات ونصوص القوانين التي تعد أساساً لدولة القانون والمؤسسات دلالات واضحة تؤشر على ما نعتقد، إذ لا يمكن التعامل مع التعديل على قانون العقوبات مثلا بمعزل عما يعبر عنه البيان المشار إليه سلفا، فالاثنان في فعلهما السياسي وانعكاساته يتعارضان جملة وتفصيلا مع جوهر ميثاق العمل الوطني والدستور كمرجعية تحفظ الحقوق الأصيلة والمكتسبة للمواطن البحريني وبما يتلاءم والمتغيرات التي حدثت في البلاد وتفاعلها مع الساحة الإقليمية والدولية. الثانية: تصريح الوزيرة وبيان وزارتها، يكشف عن خرق فاقع لتعهدات الدولة بشأن تطبيق وتفعيل بنود المواثيق الدولية لاسيما «اتفاق السيداو»، فضلا عن تلك التي تصب في اتجاه تحقيق الأهداف التنموية التي تستند على مفهوم الشراكة ما بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والتي تتضمن طبعاً الجمعيات النسائية، فهي أي وزارة التنمية والمجلس الأعلى للمرأة يخلان بمبدأ الشراكة عند التعاطي مع الجمعيات النسائية. لماذا؟ لأن العلاقة معها تؤشر إلى وجود اختلالات، فهناك تهميش عوضا عن التضامن، ونهب للأدوار بدل توزيعها، وعدم توفير بيئة سياسية أو قانونية سليمة لتمكين الاتحاد النسائي من تأدية دوره الفعال في المجتمع، الموقف الأخير يوضح ان جرعات التدخل في نشاط الجمعيات النسائية قد زادت، إضافة إلى استمرار محاولة السيطرة عليها واحتوائها وتوجيه أنشطتها، بقوننة الإجراءات والتشريعات والقوانين التي تسهل التدخل الرسمي، أما المنافسة والمزاحمة فحدث ولا حرج، وهي بارزة بالاستحواذ على الأدوار بالقوة والتهديد، أو حتى بعرقلة الأنشطة من خلال الإجراءات الروتينية والبيروقراطية، إن هذا بحد ذاته تراجع من قبل الدولة في مواقفها تجاه الشعارات والبرامج التي تحملتها أمام المحافل الدولية. والآن يستوجب تذكير الدولة ثانية إن كانت غافلة، بان آليات تمكين المرأة في الأساس تستند على بث الوعي، والاتجاهات الإيجابية وبناء القدرات والمعرفة نحو برامج الإصلاح الديمقراطي، واستحالة إتمام تلك البرامج مادام الطرف الرسمي «يقصقص» أجنحة الجمعيات النسائية ويشذب هويتها «كيف ما كان»، فلا وعي ولا معرفة ولا اتجاهات ولا يحزنون إن لم يستند إلى رؤية فلسفية وسياسية تتماهى وتتفاعل مع الواقع السياسي والاجتماعي وتكون فاعلة في المجتمع لا ببغاء تكرر الخطاب الرسمي. نذكر أيضا، بأن مرحلة التحولات الديمقراطية إقليما ودوليا تعني ما تعنيه من تنام لدور المنظمات الأهلية غير الحكومية والتي هي طرف أساسي من أطراف عملية التنمية الإنسانية، وبالتالي لا يمكن للوزارة إلغاء هوية الاتحاد النسائي ووجوده، ولا يصح أن تمثل الدولة نفسها وشعبها في آن في كل كبيرة وصغيرة وخصوصا أن مؤشرات الفساد والأزمات الاجتماعية والسياسية في ارتفاع مستمر وبحاجة إلى رقابة ومحاسبة شعبية من قبل المنظمات الأهلية الضامن لحقوق أفراد الشعب من رجال ونساء؟ الثالثة: بعض المراقبين والمحللين يجمعون على أن الحكم قد توغل بعيدا في اختراق الجمعيات النسائية بشرذمتها وتهميشها وإضعافها وتقليص أدوارها وتشويه هويتها من خلال أسلوب مبيت ومدروس تكشفه أجندة الاتفاقات الثنائية التي عقدها المجلس الأعلى للمرأة مع الجهات الرسمية أو الإقليمية أو الدولية، والتي لم يبق فيها لا شاردة ولا واردة للحركة النسائية، لقد جردها من كل المساحات التي من الممكن أن تتواصل فيها مع النساء ككيان أهلي مستقل قادر على تأدية دور مجتمعي نشط ومسئول ضمن منظومة مؤسسات المجتمع الأهلية، وليس من المبالغة القول بوجود تواطؤ لغير مصلحة الاتحاد النسائي ما بين المجلس الأعلى للمرأة ووزارة التنمية الاجتماعية، عبرت عنه تصريحات المجلس سابقا والوزارة لاحقا، من بين تلك التصريحات: «إن الاتحاد النسائي لا يشهر لأنه يحمل أهدافاً سياسية وأنه لا يوجد كيان أهلي يمثل المجتمع بأكمله، ولا يمكن للاتحاد أن يتحدث باسم جميع نساء البحرين وان غالبية أهدافه مماثلة لأهداف الهيئة الرسمية التي تمثل المرأة البحرينية في البلاد «المجلس الأعلى للمرأة» الأمر الذي رفضته اللجنة»، لا ندري لم يحق للمجلس تمثيل كل نساء البحرين، ولا يحق للاتحاد فعل ذلك؟ كل تلك الحجج الواهية، تتضح الآن وبصورة مثيرة للجدل، وبإصرار للإبقاء على الجمعيات النسائية ذات التاريخ النضالي والوطني العريق مجرد هياكل مسخ فاقدة للحياة، لم يتبق لها من أدوار تؤديها إلا تلك الأدوار الرعوية والتنفيذية وبما تتصدق به عليها الجهات الرسمية، لتكون في ذيلها لا في طليعة المجتمع. الرابعة: من دون أدنى شك، الجمعيات النسائية تتحمل عبئاً من المسئولية التاريخية للإطار الذي وضعت فيه. أجل، فهناك تدن على المستوى التنظيمي للجمعيات، يؤشر عليه ضعف العناصر المعنية بقيادة العمل النسائي وإدارته التي ارتأت الابتعاد عن أساليب العمل المؤسسي إلى أساليب يشوبها التفرد والتسلط في بعض الأحيان، إضافة إلى عدم مراجعة وتجديد للأهداف وبرامج العمل والأنشطة، كما ان حدة التوترات والمشكلات فيما بين الناشطات قد تزايدت، وعكست نفسها على وجود تسيب وتداخل وازدواجية بسبب سوء فهم في التعاطي مع مفاهيم الشراكة والتمكين وبتأثير من القصور المعرفي، إن ذلك سبباً ونتيجة لغياب روح الديمقراطية والحوار البناء وتداول الآراء والأدوار بحرية، والعمل كفريق عمل، فعضوية اللجنة التحضيرية والتفويض الممنوح لعضواتها من قبل الجمعيات النسائية قد مر عليه ما يقارب الخمس سنوات ولم يتم تبادل الأدوار فيها، وهذا سلوك غير سليم، ويعد خللاً في طريقة إدارة العمل النسائي، الذي تتضاربه أجواء الشللية وعدم الانسجام والتناغم ما بين الناشطات في مجاله. كل ذلك لا ريب أدى إلى عزوف حاد من قبل الكثيرات وعدم إقبال للعناصر الشابة الجديدة وتشجعها على الانضمام والنشاط في مجال الجمعيات النسائية، ما جعل الطرف الرسمي يقلل من شأن الاتحاد كمؤسسة أهلية ويستخف بصفته التمثيلية لنساء البحرين. إلى ذلك، هل اتضحت صورة المشهد؟ كيف يمكن تجاوز هذا الواقع بعقلانية؟ لا توجد وصفة علاجية شافية سوى بالاعتماد على وعي الناشطات في الجمعيات النسائية وإدراكهن حقيقة الوضع السياسي وتداخلاته، فضلا عن مكانة الاتحاد الحقيقة ودوره في المجتمع، فهو أي الاتحاد مؤسسة أهلية مدافعة عن حقوق العامة من النساء ولاسيما أن عضويته متاحة للجميع، بخلاف عضوية المجلس الأعلى للمرأة النخبوية والمعينة من قبل الدولة، وهو طبعاً ليس «دكانة» كما يتوهم البعض، وبالتالي بات على الناشطات تجسيد قدرتهن العملية في استنهاض العمل النسائي المسئول مجددا وبذهنية تبتعد عن شخصنة إدارة العمل في الجمعيات، ودراسة الخيارات المتاحة بدقة ومناقشتها مع عضوات الجمعيات والشخصيات الفردية المدافعة عن حقوق المرأة الإنسانية، والقبول بتحدي الواقع والإجراءات الرسمية القائلة إنه لا يحق للاتحاد ولا الجمعيات النسائية ممارسة النشاط السياسي، ففي حقيقة الأمر، إن هكذا إجراءات لم تشل الحركة النسائية في الماضي، ولم تقف حائلا بينها وبين ممارسة الناشطات فيها العمل السياسي وحتى السري منه أيام قانون أمن الدولة، فما بالنا في أيام العز والديمقراطية. المهم إدراك أن التأهل لتمثيل النساء البحرينيات يستوجب التضحية بالمغريات والمناصب الرسمية والطموحات الشخصية، والوعي والثقة بالنفس والاقتدار على إعادة إنتاج العمل النسائي الحقوقي، ومنه أيضا التفكير بخيار الدعوة إلى عقد مؤتمر تأسيسي للاتحاد لانتخاب «المكتب التنفيذي» الذي يمثل البحرينيات بصفة أهلية في المحافل المحلية والدولية... أن ذلك سيكون خطوة متقدمة تفرض وجود المؤسسة الفعلي على الأرض، سواء سجل الاتحاد تحت امرة قانون الجمعيات الأهلية أو السياسية، المهم ألا يفقد هويته ولا قاعدته التمثيلية. * كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 1241 - السبت 28 يناير 2006م الموافق 28 ذي الحجة 1426هـ