بتاريخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 تلقيت دعوة من السفارة الصينية في البحرين نقلها إليّ السيد جين السكرتير الأول والذي يتكلم العربية بصورة جيدة وذلك للاشتراك في ندوة العلاقات الصينية العربية والتي تقيمها وزارة الخارجية الصينية خلال الفترة من 12 إلى 16 ديسمبر/ كانون الأول 2005 في بكين وقد حرصت على حضورها نظرا لأهميتها. وكنت قد ترددت في البداية في المشاركة خوفا من البرد القارص الشديد الذي وصل في بعض لياليه خلال اقامتي في بكين الى سبع درجات تحت الصفر ولكني تجشمت العناء والسفر الطويل لكي اشارك بهذه الندوة المهمة اقتناعا بمساهمتها في تعزيز التعاون العربي الصيني والذي سينعكس ايجابا على علاقة البحرين بالصين، والتي سيشارك فيها الكثير من الفعاليات العربية الى جانب المسئولين الصينيين اللاحقين والسابقين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر السفير نائب وزير الخارجية السابق يانغ فوشانغ وهو متخرج في كلية الآداب» لغة عربية من جامعة القاهرة كما شغل بعد تقاعده منصب مدير المعهد العالي للشئون الدبلوماسية الخارجية وهذا الرجل تعرفت عليه خلال شهر سبتمبر/ أيلول 1987 عند زيارتي الأولى لبكين ضمن أعضاء وفد اللجنة السباعية المنبثقة عن الجامعة العربية والمعنية ببذل الجهود لحل النزاع العراقي الايراني والسيد يانغ يجيد اللغة العربية كتابة ونطقا. وإن زيارتي تلك كانت فرصة سانحة للتباحث وتبادل وجهات النظر بشأن اقامة العلاقات البحرينية الصينية. ومن المشاركين في هذه الندوة أيضاً وانغ شيجية أول سفير للصين في البحرين نهاية 1989، وهو يجيد اللغة العربية كتابة ونطقا وهو الآن المبعوث الخاص الصيني لقضية الشرق الأوسط، ولا بأس هنا من ذكر هذه الحادثة الطريفة التي حصلت لرجل الأعمال البحريني المعروف المرحوم جلال المير وهو والد النائب البرلماني عبدالعزيز المير. فقد حصل جلال على سمة دخول للصين من السفارة الصينية في البحرين لكي يحضر المعرض السنوي التجاري في كانتون. وسمة الدخول هذه تكون عادة ورقة مختومة ومنفصلة عن الجواز. وقد سقطت سهوا من جواز السيد جلال وطلب اصدار «فيزا» أخرى إلا أن سعادة السفير رفض ذلك وقد اتصل بي جلال وانا في بكين طالبا المساعدة وعاودت الاتصال بالسفير الذي وافق على اعطائه «فيزا» أخرى بعد تقديم الاعتذار. وان تعنت السفير يعود الى أنه على رغم تبادل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فإن جوازات البحرين العادية الحمراء في الصفحة الثالثة تورد الاقطار التي يقصد إليها بهذا الجواز ومنها اشارة الى الصين الوطنية (تايوان) وأيضاً هونغ كونغ وقد استدعتني وزارة الخارجية الصينية في بكين أكثر من مرة بشأن هذا الأمر الذي يغفل ذكر جمهورية الصين الشعبية كما استدعيت أيضاً مرات عدة بشأن اقامة مدير مكتب تايوان التجاري حفلات أعياد وطنية باسم الصين الوطنية وقد امتنع بعد ذلك عن القيام بذلك. كما شارك أيضا السيد خوالي مينغ السفير الصيني السابق لدى الإمارات وإيران وهولندا وهو يشغل الآن نائب رئيس مؤسسة الدراسات الدولية وهو يجيد اللغة العربية اجادة طيبة وكذلك اللغة الفارسية. كما شارك أيضاً السفير ليو بولاي نائب رئيس جمعية الشئون الخارجية للشعب الصيني والسفير السابق لدى الإمارات والأردن وقائمة أخرى من المسئولين الصينيين والدارسين الأكاديميين والمهتمين بالشعر العربي مثل زنغ ميكا وان وهو استاذ وعميد اللغة العربية. وكانت هذه الندوة تعنى سياسيا واقتصاديا وتعزز التعاون العربي الصيني في مختلف الميادين. أحد الاصدقاء الظرفاء ذكر لي أنه ليس كلفا أو مهتما بكثير من الاجتماعات ولاسيما الرسمية منها فقد مل الحديث واللغو حولها بسبب ما فيها من تكرار وعدم تنفيذ قراراتها وتوصياتها. ان ما يهمه ويشده المواقف الإنسانية والتصرفات السلوكية لبني البشر العامرة بالمواقف اللطيفة وما فيها من مفارقات ومضحكات، بل ومبكيات أيضاً تبقى عالقة بذهن الإنسان وذاكرته. ولكي أرضي فضول هذا الصديق ذكرت له هذه الحادثة التي تعرضت لها حقا: فعند ركوبي الطائرة القطرية الضخمة 340 والمتجهة من الدوحة الى بكين جلست على الكرسي المخصص لي بالدرجة الثانية، وهذا الكرسي يقع على الممر الداخلي للطائرة. وأهمية هذا الكرسي انك تستطيع القيام والمشي وان الرحلة تستغرق بين ثمان الى تسع ساعات، وانا جالس على مقعدي اترقب اقلاع الطائرة جاءت امرأة نصف محجبة وبدت خصلات من شعرها تطل من الاشرب الذي يلف شعرها، وجلست على الكرسي الداخلي بجانب النافذة والملاصق تماما لكرسيي، وفجأة بدأ المشهد متجهما لي عندما وقف شخص عربي على رأسي وكأن على رأسه الطير، طالبا مني بلهجة آمرة أن اترك الكرسي ليجلس حضرته مكاني مع الست المصون، والتي لم تفصح ما اذا كانت زوجته أو قريبته وموقعها من الاعراب. وظنني هذا الراكب من الوهلة الأولى انني هندي ومن احفاد غاندي أو «باقوان». انها النظرة الدونية للهنود وإذ درج كثير من ابناء العرب شماله وجنوبه على التقليل من شأنهم. وكلمة انا هندي كثيراً ما يرددها أهل مصر عندما يضربون مثلا للرجل الساذج أو الطيب والعبيط على حد قولهم. مع ان هؤلاء الهنود ينتمون الى امة عظيمة لها شأن عظيم في التاريخ قديمه وحديثه وهي اليوم تسير في دروب الحضارة والمدنية بخطوات ثابتة وقوية تاركة العرب من الخليج الى المحيط لتخلفهم وخلافاتهم التي أصبحت أضحوكة العالم أجمع. والهند كما الصين العملاقة في سباق محموم ومتواصل في مدارج الرقي والارتقاء وفي مجال السياسة والاقتصاد وتحقيق الرفاهية الاجتماعية لشعوبها. وهذه الحادثة تجعلني أرجع الى ما ذكره رجل المخابرات الأميركية مايلز كوبلاند في الانقلابات العسكرية العربية في الشرق الأوسط ابان فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين الماضي وعلاقته برجال ثورة يوليو المصرية، فتحدث في كتابه هذا عن الأعراق والأجناس التي امتزجت بسكان العراق الأصليين نتيجة الغزوات والاتصالات والفتوحات، فمثلاً بعد احتلال بريطانيا للعراق العام 1920 جلبت مع قواتها الانجليزية ثمانين ألف جندي هندي وأن جيناتهم فعلت فعلها واختلطت بالجينات الأصلية وقل مثل ذلك عن الأتراك العثمانيين في البلدان التي استعمروها لقرون خمسة. المهم بعد ربع ساعة من النقاش العقيم والممل أو الماسخ الذي هو اشبه بحوار الطرشان بيني وبين هذا الشخص وتدخل أطراف عربية أخرى مساندة له لا علاقة لها بهذا الشأن أو كما تقول العرب «لا ناقة لها فيها ولا جمل» اضطررت إلى طلب تدخل المضيفات وهن والحمد لله آسيويات أعجميات فوجدتهن أكثر رحمة ورأفة بشخصي الكريم المسالم، والذي كان على صواب من بني جلدته بني يعرب إذ يقحمون العروبة في كل شأن لا يستدعي ذلك. بعد ساعات ثماني من الطيران المتواصل بين النوم المتقطع والاستيقاظ والحركة والمشي الخفيف المسموح به في هذا الممر الضيق وصلت الطائرة بسلامة الله وحفظه إلى مطار بكين الجديد والجميل معاً. فوجئت بالممرات والصالات الواسعة والنظيفة معاً. كان في استقبالي الشاب الفلسطيني المكافح درغام محمد صبحي الذي بدأ عمله في سفارة البحرين في بكين قبل عدة شهور من تركي لها في أغسطس/ آب .1997 ولا مجال هنا للمقارنة بين مطار بكين القديم الذي عاصرته طوال سنوات خلت ابتداء من أغسطس 89 وكذلك المقارنة بين الطريق الضيق القديم ذي الإضاءة الضعيفة جداً وما يكتنفه من اخطار وخصوصاً السواقة اثناء الليل، أما الطريق اليوم فهو سريع وواسع ويتكون من ثلاثة مسارات من كل اتجاه ويختصر المسافة إلى النصف. كما كان في استقبالي موظفة علاقات عامة من إدارة المراسم بوزارة الخارجية الصينية وسيارة مرسيدس فخمة يقودها سائق ذو هندام مرتب، إذ أقلتني إلى سويس هوتل وهو فندق كبير يقع في وسط مدينة بكين وهو مكان انعقاد هذه الندوة. كان من المفترض الوصول إلى بكين صباح 11 ديسمبر 2005 بحسب طلب الجهة المنظمة لهذه الندوة من قبل وزارة الخارجية الصينية أي قبل انعقاد الندوة بيوم واحد ولكن حضور هذه الندوة في هذا التاريخ كان من الأمور المستحيلة بالنسبة إليّ بسبب اختلاف جدول رحلات الطائرة القطرية. كانت الندوة بدأت أعمالها في الصباح يوم الاثنين 12 ديسمبر 2005 وعند وصولي الى الفندق في الساعة الثانية ظهراً من اليوم نفسه كان الأخ سفير البحرين لدى الصين كريم الشكر ينتظرني وسعدت بذلك وحضرت معه الاجتماع الثاني بعد الظهر وذلك على رغم عناء السفر طوال ليلة أمس إذ لم أنم إلّا النزر القليل وغادرت مطار البحرين التاسعة من مساء 11 ديسمبر 2005 إلى قطر إذ أقلتني طائرة قطرية في الساعة الثانية عشرة ليلا من اليوم نفسه الى بكين وهكذا كنت متعباً ومهدوداً لا أقوى على عمل أي شيء إلا أنني قاومت ولبثت في الاجتماع ساعتين إلا ان التعب والإرهاق كانا يغالبانني لذلك اعتذرت من دون تتمته وذهبت إلى غرفتي واستسلمت إلى النعاس والأحلام السعيدة. * أول سفير بحريني لدى الصين
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1241 - السبت 28 يناير 2006م الموافق 28 ذي الحجة 1426هـ