نواصل في هذه الحلقة النقاش الذي بدأنه يوم أمس (السبت) بخصوص تنامي ظاهرة الاقتراض في البحرين. مقال اليوم يركز على مسألة القروض والتسهيلات المقدمة للأفراد على وجه التحديد، وذلك نظرا لأهميتها النسبية على أكثر من صعيد. فقد بلغت قيمة القروض المقدمة للأفراد 1088 مليون دينار مع نهاية شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2005. ويشكل هذا الرقم أكثر من 44 في المئة من مجموع القروض والتسهيلات المقدمة فضلا عن نحو 17 في المئة من قيمة موجودات المصارف التجارية العاملة في البلاد.
القواعد الجديدة للقروض
ابتداء من مطلع العام 2005 أصبح لزاما على المصارف التجارية العاملة في البحرين تطبيق القواعد الجديدة المفروضة من قبل مؤسسة نقد البحرين فيما يخص التمويل الاستهلاكي. وعرفت المؤسسة التمويل الاستهلاكي بأنه أي شكل من أشكال التسهيلات الائتمانية مثل القروض الشخصية والسحب على المكشوف أو بطاقات الائتمان. وبحسب التشريع الجديد فقد تم تحديد القسط الذي يدفعه الفرد للقروض الاستهلاكية بنصف إجمالي دخله وبحد أقصى 7 سنوات للسداد. وبدا واضحاً أن تحرك مؤسسة نقد البحرين جاء كرد فعل على اهتمامها بسلامة الملاءة المالية للمصارف فضلاً عن ارتفاع وتيرة الضغط الشعبي للقيام بخطوات محددة وفعالة للحد من ظاهرة القروض الشخصية في مجتمعنا. لكن حتى هذا التاريخ لا يوجد دليل ملموس على نجاح هذه القواعد في وضع حد لظاهرة القروض الاستهلاكية. والدليل على ذلك ارتفاع حجم القروض المقدمة للأفراد بواقع 73 مليون دينار (أي أكثر من 7 في المئة) في الشهور التسعة الأولى للعام 2005 مقارنة مع مطلع العام. بيد أنه هناك رأي مفاده أن المصارف كانت قد وافقت على طلبات القروض قبل دخول الشروط الجديدة حيز التنفيذ (أي في نهاية العام 2004 لكنها قامت بتنفيذها في العام 2005. على كل حال ربما كان علينا الانتظار لفترة أطول لمعرفة التأثيرات الحقيقة للقواعد الجديدة للقروض المفروضة من قبل مؤسسة نقد البحرين. كما أسلفنا تؤكد الاحصاءات المتوافرة أن المصارف التجارية العاملة في البحرين تفضل منح قروض شخصية على حساب إعطاء قروض للقطاعات الأخرى بما فيها التجارة والصناعة. ويعتقد أن السبب الرئيسي وراء ميل المصارف التجارية إلى منح القروض الشخصية هو تمكنها من فرض نسب أرباح عالية على تلك التسهيلات. ففي نهاية سبتمبر/ أيلول 2005 بلغت نسبة الفوائد على القروض الشخصية الممنوحة بضمان العقار أكثر من 8 في المئة مقارنة بـنحو 9 في المئة لقروض السيارات فضلاً عن 12 في المئة للقروض غير المضمونة. يضاف لذلك الكلف الأخرى التي يتحملها المقترض والمتمثلة بالرسوم الإدارية (عند تقديم الطلب) والتأمين ضد الحياة.
على من يقع اللوم؟
هناك من يتهم المصارف بأنها تغلب المصلحة الذاتية على حساب مصلحة الاقتصاد الوطني بدليل أن قطاعات التجارة والصناعة والإنشاء والتعمير مجتمعة حصلت على أقل من 44 في المئة من مجموع القروض أي الأهمية النسبية نفسها للقروض الشخصية. في المقابل هناك من يعتقد بأن المهمة الرئيسية لإدارات المصارف تتمثل في تحقيق أكبر عائد ممكن لحملة الأسهم. لا شك في أن المصارف تعمل على جلب الزبائن إليها بالطرق الدعائية لكن من المؤكد أن المصارف لا تفرض على زبائنها أخذ القروض وأن قرار تسلم القرض أو عدمه يعود إلى الفرد نفسه. حقيقة تفتقر البحرين إلى دراسات توضح أسباب ميل الأفراد إلى أخذ القروض الشخصية، فالحاجة ماسة إلى دراسات علمية تكشف السلوكيات والاتجاهات المسببة لهذه الظاهرة الاجتماعية في المجتمع البحريني. أيضا لا تتوافر لدينا معلومات تفصيلية عن طبيعة القروض الشخصية مثل التسهيلات الممنوحة لأغراض بناء المنازل والسفر للعلاج. بيد أنه يمكن إنكار حقيقة مفادها أن البعض عندنا يفضل أن يعيش فوق طاقته من دون الاعتبار إلى تداعيات ذلك على المستقبل مثل فقدان مصدر الرزق. كما أن هناك مسألة تقليد الآخرين. يبقى أنه بمقدور الأفراد حماية أنفسهم من تداعيات القروض وذلك بالابتعاد عن أنماط الحياة الاستهلاكية قدر المستطاع
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1241 - السبت 28 يناير 2006م الموافق 28 ذي الحجة 1426هـ