على مدى اليومين الماضيين، ومنذ أن تناولت أجهزة الإعلام في الدول العربية والإسلامية أنباء وتقارير تكشف تنظيم حملة عدائية شرسة في الصحافة الدنماركية تهدف إلى تشويه قيم الأمة من خلال الإساءة للنبي الأعظم محمد (ص) من خلال الرسومات الكارتونية... تأججت مشاعر المسلمين في البحرين وفي كثير من المجتمعات الإسلامية، وانطلقت الدعوات الغاضبة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية احتجاجاً على الأسلوب الوضيع الذي لم تكن الصحافة الدنماركية بدأته جزافاً... بل كان هذا أسلوبها على مدى سنين.
لكن السؤال المهم: «لماذا اختارت الصحافة الدنماركية هذا الوقت بالذات لشن الحملة من جديد؟»، فإعلامها المرئي والمقروء والمسموع دأب على توجيه الإهانات للمسلمين، فلا يرى في قتل مسلم بريء يعيش في كوبنهاغن أمراً يخالف الأعراف والقوانين، في حين يضج عن بكرة أبيه حين يخدش شعور يهودي!.
الشئون الإسلامية... أين البيان؟
لعل المسار الأول الذي اتجهنا إليه قبل نقل الصورة الموجزة عما يحدث اليوم في المجتمع البحريني تجاه هذه الحملة الشعواء «البعيدة» جغرافياً كونها تشن من قبل الصحافة الدنماركية، «القريبة» جداً منا كونها تمس أغلى قيمة في حياتنا... هو وزارة الشئون الإسلامية للسؤال عما يمكن أن تتخذه من خطوات، إلا أننا لم نحصل على إجابة، ولعلها تكون في بيان يصدر عن الوزارة!
ولابد من الإشارة إلى أننا تأكدنا من عدم وجود تمثيل قنصلي للدنمارك في البحرين، رغبة في توجيه صورة عن الاحتجاج المحلي العارم ضد الحملة المسيئة للدين الإسلامي في الصحافة الدنماركية وعلى رأسها صحيفة «جيلاندز بوستن» أكبر صحيفة في الدنمارك في سبتمبر/ أيلول الماضي.
الاتصالات التي وردت إلى «الوسط» كثيرة، وهي جميعها تحمل استنكاراً وغضباً جماهيرياً شديداً، إلا أن المطلب الأول هو دعوة الحكومة وكل الحكومات في العالم العربي والإسلامي إلى دفع الحكومة الدنماركية للاعتذار، وبعد ذلك، توجيه ضربة مؤثرة من خلال مقاطعة المنتجات الدنماركية ومنع دخولها إلى الأسواق بل وقطع التعاملات المالية والعقود مع الشركات الدنماركية التي تعمل بشكل نشط في دول مجلس التعاون.
بداية الهجمة... الرسوم المعادية!
بدأت الهجمة المعادية عندما نشرت صحيفة «جيلاندز بوستن» الدنماركية (12) رسماً كاريكاتورياً يوم الثلثاء 26 شعبان 1426هـ - 30 سبتمبر/ أيلول 2005م تناقلتها وكالات الأنباء العالمية تصور الرسول (ص) في أشكال مختلفة، وفي أحد الرسوم يظهر مرتدياً عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه، وطلبت الصحيفة من الرسَّامين التقدم بمثل تلك الرسوم لنشرها على صفحاتها.
وقد عمد المسلمون في الدنمارك، ومعهم غيرهم من المواطنين الدنماركيين، وكذلك غيرهم من المقيمين في الدنمارك إلى إنكار هذه السخرية، فكُتبت المقالات ووُجهت الرسائل إلى الحكومة الدنماركية وإلى الصحيفة المعنية، مطالبين بالاعتذار عن هذا العمل والكَف عن مثله مستقبلاً، وتظاهر في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أكثر من (5000) مسلم وغيرهم من المتعاطفين معهم في العاصمة كوبنهاغن ضد الصحيفة وطالبوها بالاعتذار. غير أن السلطات الدنماركية ومسئولي الصحيفة رفضوا ذلك بمبررات حرية الإعلام والتعبير، وأنه لا شيء يستثنى من شموليته وحريته.
لماذا تقصدت الصحيفة... الإساءة!
أولى الإجابات على هذا السؤال كانت من عضو الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالنبي العكري الذي يرى أن هذه الإساءة للدين والرسول ليست جديدة، فطالما تفننت الدول الغربية فيها وطالما كانت حكوماتها عاجزة عن إسكات وإخماد كل قلم أو لسان يمس الإسلام أو المسيحية أو أي ديانة أخرى! مرجعة السبب لقوانين حرية التعبير والنقد، وهنا يبرز دور منظمة المؤتمر الإسلامي لتفعل دورها في التصدي لمثل هذه الممارسات.
ويرمي العكري المسئولية على ما يصفه بـ «تخلفنا في نقل صورة الرسول بالطريقة المناسبة وبلغة العصر وتركيزنا على المظاهرات المنددة والمستنكرة»، في حين رأى أنه من الأجدى مخاطبة أي إساءة بلغة العصر وبالخطاب الذي من شأنه أن يسكت الجميع بقوة الحجة والتحضر كاستغلال الوسائل الإعلامية الحديثة كالسينما والانترنت مثلما فعل العقاد في فيلم «الرسالة» والمخرج يوسف شاهين في فيلم «الناصر صلاح الدين»، الأمر الذي يسهم في نقل صورة رسول الله على حقيقتها وبطابعها الحضاري ودورها الإسلامي الحق.
سلاح الاقتصاد
في حين كان للشيخ ناصر الفضالة وجهة نظر مغايرة يرى من خلالها أن الدول الغربية لا تفهم سوى لغة الأرقام والاقتصاد فتهديد اقتصادها بمقاطعة منتجاتها والعلاقات معها يعد «قرصة أذن» تمنعها من أن تفكر في أن تمس شخص الرسول مجدداً كما فعلت المملكة العربية السعودية. وهذا أقل ما يمكن أن تقدمه أي دولة إسلامية للتصدي لمن تسول له نفسه مس الدين ليدعو لمقاطعة الدنمارك والتي من الواضح أنها تنهج نهجاً عدائياً للإسلام بعد أن كانت لها مواقف مشرفة في القضية الفلسطينية.
ومازال الحديث للفضالة الذي سخر من التصعيد الذي من الممكن أن يحصل في حال التعدي على أحد الرموز الحكومية أو ذات الشأن السياسي والثقافي في المملكة لتقيم الدنيا ولا تقعدها إثر مشادات كلامية في حين تتخذ موقف سلبياً وتتغافل الإساءة لأعظم رموز الإسلام رسول الله (ص).
مسئولية سياسية... سيادية
في هذه المساحة، يتحدث النائب عبدالنبي سلمان والذي يرى أن المسئولية تقع على الجهات السياسية بالدول الإسلامية لا الجهات الدينية بالدرجة الأولى في فرض سيطرتها وسيادتها واحترامها، وبالتالي احترام ديانتها ورموزها، مؤكداً على أن التعاطي مع هذه القضية التي ألفناها من الدول الغربية يجب أن لا يكون بردات الفعل فحسب بل يجب أن يكون لنا موقف يعكس حضارتنا الإسلامية وصورة رسولنا الصحيحة والعظيمة التي حاولوا ومازالوا يحاولون تدنيسها.
موقف السعودية... خطوة لافتة
حذرت المملكة العربية السعودية في بيان صدر عن وزارة الخارجية من مخاطر عدم اعتذارها عن رسوم كاريكاتورية مسيئة إلى النبي محمد (ص) في خلاف أدى إلى استدعاء الرياض لسفيرها لدى الدنمارك.
وقررت المملكة العربية السعودية استدعاء سفيرها في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن محمد الحجيلان بهدف التشاور بشأن ما نشر هناك من إساءة إلى النبي محمد (ص). وتأتي خطوة الرياض الدبلوماسية التي وصفت باللافتة في وقت أعلن فيه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي تجريمه نشر الرسوم «البذيئة» داعياً لعقد مؤتمر صحافي موسع في مقر المنظمة في جدة لمناقشة خطوات الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تجاه هذه الحادثة.
وأثنى خطيب الجمعة بالمسجد الحرام في مكة الشيخ اسامة الخياط على القرار الذي اتخذته السعودية لأنه قال: «ان كوبنهاجن لم تتخذ إجراء كافياً بشأن الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة جيلاندز بوستن أكبر صحيفة في الدنمارك في سبتمبر».
مفتي السعودية يصدر بياناً
أصدره مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز الشيخ بياناً دعا فيه المسئولين في الحكومة الدنماركية إلى محاسبة الصحيفة التي نشرت هذه الرسوم.
اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء
أكد المتحدث الرسمي باسم اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء سليمان البطحي أنه وبالتنسيق مع الجالية الإسلامية في الدنمارك تم رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة الدنماركية التي نشرت رسوم (كاريكاتير) ساخرة من الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقال البطحي إن التنسيق بدأ منذ ما يزيد على الشهرين، و«فضلنا أن يتم الأمر بصمت حتى ننجز ما نطمح إليه، ولقد تم رفع الدعوى، فرفضت المحكمة الدنماركية قبولها بحجة حرية الرأي»!
وعن الكلف المادية وكيفية توفيرها قال البطحي: «الجالية الإسلامية في الدنمارك ضعيفة، وقدراتها المادية محدودة، لذلك فإن الاعتماد الرئيسي هو على دعم أهل الخير».
موقف شركة أغذية دنماركية
كرد فعل، واجهت شركة «أرلا» للأغذية ومقرها الدنمارك مقاطعة كبيرة ما دفعها للإعلان عن أنها ستنشر إعلانات بالصحف السعودية لتنأى بنفسها عن مسألة الرسوم الكاريكاتيرية. وتوزع شركة أرلا ثلثي مبيعاتها في الشرق الأوسط بالسعودية.
في مصر... الوضع «تكهرب»
في مصر، «تكهرب» الوضع عندما طلب الدكتور حمدي حسن نائب الإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري معرفة موقف شيخ الأزهر من الإهاناتِ التي وجهتها الصحافة الدنماركية للنبي (ص). وقال النائب في طلبِ الإحاطة: «إنَّ الشيخ محمد سيدطنطاوي شيخ الأزهر اعتاد وتخصص في إثارةِ الجماهير المسلمة بتصريحاته المستفزة والمتناقضة والضعيفة في قضايا مهمة وساخنة وقوية تمر بها الأمة الإسلامية كلها وتتطلع إلى رأي مؤسساتنا الإسلامية وعلمائنا المشهود لهم بالكفاءة لإبداءِ الرأي فيها، وفي مقدمة هذه المؤسسات والعلماء الأزهر الشريف وشيخه». وأضاف النائب أنه سبق للشيخ في موضوع الحجاب أن أعطى وزير الداخلية الفرنسي ساركوزي حق نزعه للحجاب، وكيف كانت حركات الشيخ وإشاراته وتلميحاته لمعارضيه وهم من كبار العلماء والتي أساءت للأزهر وعلمائه! وهو ما تكرر في موضوعِ الاحتجاجِ على نشرِ الصحف الدنماركية رسوماً تُسيء إلى النبي (ص) كان دفاع الشيخ طنطاوي مسيئًا بأشدِّ من الإساءةِ الدنماركية؛ إذ برَّر ذلك بأنَّ النبي (ص) «ميت» لا يستطيع الدفاع عن نفسه فلا يجوز مها
العدد 1241 - السبت 28 يناير 2006م الموافق 28 ذي الحجة 1426هـ