العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ

الخضر الألمان يجازفون بمستقبلهم

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

حين استدعى يوشكا فيشر وكان في ذلك الوقت يشغل منصب نائب المستشار ووزير الخارجية، عميلين ينتميان للمخابرات الألمانية (بي إن دي) للاجتماع به قبل سفرهما إلى العراق، كان الوزير الذي ينتمي لحزب الخضر قد تدخل سياسيا كي توافق حكومة المستشار غيرهارد شرودر على إرسال العميلين سرا إلى العراق في 17 مارس/ آذار العام 2003 أي عدة أيام قبل اندلاع الحرب. وكان فيشر قد أقنع ­ مع زميله وزير الداخلية أوتو شيلي ووزير المستشارية فرانك فالتر شتاينماير ­ الحكومة بالموافقة على مهمة العميلين في العراق. اللقاء السري مع العميلين من أحد الأسباب التي جعلته الوحيد في حزب الخضر يرفض تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في اتهام المخابرات الألمانية بتقديم معلومات عسكرية إلى القوات العسكرية الأميركية خلال الحرب. كما كان النائب الوحيد في حزب الخضر الذي صفق لوزير الخارجية شتاينماير حين كان الأخير يتحدث أمام البرلمان قبل أيام وطالب الأحزاب الممثلة فيه بالتخلي عن مطلب تشكيل لجنة تحقيق. مما لاشك فيه أن فيشر يعرف الكثير عن دور العميلين الألمانيين وقد يكون أحد الأشخاص المهمين بالنسبة إلى عمل لجنة التحقيق إذا وافق البرلمان على تشكيلها. وتعتبر الأيام المقبلة حاسمة بالنسبة إلى موضوع تشكيل اللجنة. فحين يصر الحزب الليبرالي وحزب اليسار المعارضان على تشكيلها يبدأ حزب الخضر يتراجع عن تأييد هذه الخطوة بسبب دور فيشر في القضية. وقد سارع الرؤساء السابقون للمخابرات الألمانية إلى التأكيد على أهمية دور الجهاز الألماني خلال حرب العراق في محاولة ترمي إلى إقناع أطراف معارضة بعدم الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق. وقال وزير الداخلية فولفجانج شويبلي إن تشكيل لجنة تحقيق قد يقود إلى كشف أسرار تخص الدولة الألمانية وحدها. يجمع المراقبون على أن هذه محاولة سياسية لفرملة الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لأن حكومة المستشارة ميركل تخشى أن يتحول عمل اللجنة إلى محاكمة علنية لأجهزة الاستخبارات الألمانية وتكشف عن جوانب نشاطاتها وتعرض بذلك أمن الدولة إلى الخطر. كما ستسهم في نشر أجواء معادية للولايات المتحدة ورفض التعاون مع حلف شمال الأطلسي وستلحق بألمانيا خسائر سياسية كبيرة. لكن الحكومة الألمانية تعلم أن لفلفة القضية يحتاج إلى ثمن وهذا ما يعرفه طرفا الائتلاف الحاكم (الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي) لأول مرة سيكون الحزبان منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية على استعداد للقبول بفرض مراقبة برلمانية على نشاطات أجهزة الاستخبارات الألمانية. حتى أن وزير الخارجية شتاينماير مستعد لقبول هذا العرض، لكن الكلمة الأخيرة بالشأن متروكة للمستشارة ميركل. في طريق العودة من القاهرة في الأسبوع الماضي كتب شتاينماير نص كلمته أمام البرلمان بشأن موضوع مهمة المخابرات الألمانية في العراق ومن النتائج التي أتى على ذكرها تأييده إخضاع نشاطات الأجهزة الألمانية لمراقبة برلمانية وأن تخضع مهماتها في الخارج لمناقشات. إنها تنازلات من قبل الحكومة مقابل العدول عن تشكيل لجنة تحقيق يجد حزب الخضر نفسه في وضع حرج للغاية. فالتركيز على دور فيشر سيسيء لسمعة حزب الخضر. وهناك في هذا الحزب من يشعر بالرضى لنهاية مرحلة فيشر، لكن هذا لن يمنع من تعرض الحزب لنتائج سلبية. من جهة أخرى، سيعرض الخضر أنفسهم للانتقاد إذا تراجعوا عن مطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية. هدف الحكومة الألمانية هو العمل على إضعاف موقف المعارضة والحيلولة دون اتفاقها على موقف مشترك. ويبدو أنها قد تنجح في ذلك إذ صرح وزير البيئة السابق يورجين تريتين الذي ينتمي لحزب الخضر: «لسنا مستعدون لتحطيم سمعة الائتلاف الاشتراكي الأخضر السابق إكراما لخاطر الحزب الليبرالي وحزب اليسار». واستغلت الحكومة الجديدة المناقشات الدائرة وقامت أطراف تابعة لها بإخفاء ملفات ووثائق منها ملف قضية تتعلق بخطف أشخاص مسلمين على أيدي عملاء السي آي إيه كانت الأجهزة الألمانية على علم بها. الملاحظ أن الأجهزة الألمانية لا تشعر بالضعف أو الخوف وهذا ما عبر عنه العميلان الألمانيان حين مثلا أمام لجنة خاصة تابعة للبرلمان وتحدثا طيلة ثلاث ساعات عن عملهما في العراق، إذ قالا إن من ضمن الأوامر التي حصلا عليها تعقب مكان وجود الرئيس العراقي صدام حسين. عرض العميلان خريطة لمدينة بغداد حددا فيها أماكن تحركاتهما. ونفى الرئيس الجديد للمخابرات الألمانية إرنست أورلاو أن يكون العميلان قدما للأميركيين معلومات عن أهداف حيوية في بغداد. لكن المخابرات الألمانية اعترفت أخيرا بأنها نقلت معلومات بالإمكان الاستفادة منها عسكريا مثل حفر ممتلئة بالنفط أمر صدام بإضرام النار فيها عند دخول الأميركيين بغداد كما نقلت معلومات حصلت عليها من أجهزة استخبارات أخرى مثل إيران التي ترفض التعاون مباشرة مع الولايات المتحدة وقدمت للألمان معلومات عن القدرات العسكرية العراقية وأنواع أسلحة الجيش العراقي ومواقع تجمعاته. يكشف عدد الاجتماعات التي كانت تعقد بين أطراف تابعة للاستخبارات العسكرية الأميركية والأصدقاء في الجهاز الألماني خلال شهري مارس وأبريل/ نيسان العام 2003. وحين عاد العميلان من العراق في منتصف مايو/ أيار في العام المذكور دعوا لاجتماع مع الزملاء، إذ حصلا على تصفيق حار وكان وزير الخارجية الحالي شتاينماير بين الحضور. كل شيء يعتمد على حزب الخضر الذي يجد نفسه بين نارين: إما أن ينضم للحزب الليبرالي وحزب اليسار ويتخلى عن حماية فيشر والحكومة السابقة، أو تلعق أحزاب المعارضة أول هزيمة لها وتفشل في إثبات وجودها أمام الائتلاف الكبير. ما حصل فعلا يوم الاثنين سيؤثر سلبا على سمعة الخضر. في صورة مفاجئة غير الخضر موقفه 180 درجة» بعد أن كانوا يؤيدون تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، تراجعوا فجأة عن هذا المطلب وطلبوا من الحكومة الاتحادية نفسها التحقيق فيما إذا تجاوزت المخابرات الألمانية الخط الأحمر أم لا. المعلقون هنا وجدوا في موقف الخضر هزيمة للمعارضة وفوزاً معنوياً لحكومة ميركل. لكن قرار قيادة الخضر سينشأ عنه صراع داخلي يزيد مشكلات الحزب ويبعده بصورة أكبر عن قاعدة الناخبين والمؤيدين وهذه الخطوة التي هدفها حماية وزير الخارجية السابق ستبقى وصمة عار على جبين الحزب الذي تلقى صفعة جديدة. وفقا لتقارير نشرتها صحيفة شعبية يخطط فيشر الذي تزوج حديثا للمرة الخامسة من شابة من أصل إيراني لها ابنة من علاقة سابقة، للهجرة إلى الولايات المتحدة ومن المنتظر أن يتخلى في القريب، وفقا لتأكيدات الصحيفة، عن مقعده النيابي.

العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً