إن من صالح مستقبل أية بقعة عربية أن تنبت أضراس العقل لأي معارضة أو سلطة، لأن ذلك سينعكس على وضع البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وقديماً قال الإمام علي (ع): عدو عاقل خير من صديق جاهل: لا يبلغ العاقل من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه. علماء الفلسفة يصنفون الجهل إلى قسمين منه: الجهل المركّب، وتعريفه أنه جاهل ويجهل أنه جاهل. كثير من الأنظمة العربية قادت شعوبها إلى الحروب والمحارق، وتذبح أبناءها في المعارك مثل صدام وغيره ثم توزع على أبنائهم النياشين والأوسمة. مشكلة الحركات السياسية العربية أنها بلا برامج وتفتقر إلى الاستراتيجيات ولا تمتلك مشروعات سياسية. نعم تمتلك شعارات وحناجر قوية، لكنها تفتقد البرنامج التنموي. خلال قراءتي لكثير من الحركات دائماً أرى في برامجها تحليقاً في الهواء وتنظيرات ليس لها أول ولا آخر، لكن لو فاجأتها بطلبك للأرقام والإنجازات وماذا حققت ستصدم بأنها لا تمتلك إنجازاً. وهذا اشكال طرحه المفكر المعروف عبدالله النفيسي في نقده للحركة الإسلامية. في الكويت الحركة الإسلامية مشتتة وبلا برامج وان كانت هي أفضل حالاً منا في البحرين. الحركة الإسلامية في البحرين مخلصة للجمهور، لكنها لا تمتلك أن تعطيه إلا الخطابات العصماء. تعطيه أماني وليس مشروعات تنموية أو اقتصادية. الحركة الإسلامية في البحرين تمتلك قدرة على حشد الآلاف من الجماهير في أية قضية، لكنها لا تستطيع أن تفرزهم إلى مشروعات عملية واقعية تنعكس على حياتهم المعيشية والاقتصادية، وسرعان ما ينتهي الملف عند انتهاء المظاهرة وهذا إذا استمر سيمل الجمهور ولن تجد جمهورا في المستقبل. أضرب مثالاً على ذلك، اثناء التحشيد والتعبئة ضد دستور العام 2002 كل الخطب والشعارات والندوات كانت تؤمل الجمهور بدستور 1973 وأرجو الرجوع إلى الارشيف لنرى حجم القطعيات والأقوال والاصرار. اصطدمت المعارضة بالواقع وبدأت تقتنع أن السياسة فن الممكن وليس فن التعبئة وهذه خطوة إيجابية في تطور العقل السياسي للمقاطعة. الآن لو سألنا الناس ماذا حققتم من وعود؟ المقاطعة هي في تآكل. المؤتمر الدستوري: تغيرت الأوجه والوجوه وأصبح مؤتمراً فلكلوريا. المشاركة: الجميع سيشارك. مقاطعة الدولة: هناك أصوات معارضة بدأت تطرح خطاب اشراك المعارضة في التشكيلات الحكومية. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية اقيم ، لم يقبل الدخول فيه على رغم القناعة به ثم ملئ. قانون الأحوال الشخصية في طريقه للبرلمان ولو شاركت المعارضة لاستطاعت على أقل التقادير ان ترفع صوتها بشكل أكبر ضد القانون، لكنها قاطعت وفي الأخير اكتشفت ان الاحتجاج في الشارع لا يقدم ولا يؤخر وكما قال فضل الله: كلمة نائب في البرلمان تغني عن عدة احتجاجات في الشارع. ما حدث من مقاطعة ثم الرجوع إلى المشاركة سيحدث للدعوات التي تطرح الآن. المطالبة الآن بدستور جديد. شيء جميل، ولكن بعد 4 سنوات سيرى الجمهور أن ما يطرح الآن مجرد آمال وسيرجعون بعد التعب والوقت والجهد وعشرات المحاضرات إلى دستور 2002 كما رجعوا إلى المشاركة بعد كل ما قيل فيها وغداً يأتيك بالأخبار من لم يزود وما حدث للمقاطعة من تراجع سيحدث لدستور 2002 والأيام بيننا. فقد قيل في المشاركة ما لم يقله مالك في الخمر واذا الجميع يرجع إلى خيارها. بعبارة أخرى: المشكلة تكمن في أننا نصر على مطالب عالية السقف ونجرجر الجمهور معنا ثم بعد عدة سنوات نقول له: آسفين تراجعنا عن موقفنا. وهكذا كل مرة تنكسر الجرة. مصارحة الجمهور من البداية أفضل ألف مرة من «مرمرته» ثم التراجع وهي أفضل لحفظ ماء الوجه. جزء من تذمر الجمهور، هو سقف المطالب التي تتغير مثل البورصة. بالأمس المطلب جرجرة الأمم المتحدة، واليوم المطلب تغيير عبارة في كتاب مدرسي. الجمهور كتلة لحم واحساس ومشاعر فلنرحمه من البداية وان زعل علينا، لكن يجب أن نكون واضحين معه. الصراحة مهمة فلنرحم هذا الجمهور العزيز. أصبحت السياسة مثل المزاد في الأسعار من يرفع أكثر وان كان بلا نتيجة، بل فيها خسائر في غالبية الأحوال
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ