العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ

«المجتمع الدولي» وشرعنة «الابار تهايد» النووي

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما يقرر الرئيس الفرنسي جاك شيراك التلويح بالسلاح النووي ضد «قادة دول» و«مراكز سلطة معادية» واعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من «مرتكز استراتيجي» و«حق مكتسب» لدول النادي النووي في إطار حربها المفتوحة ضد «الإرهاب العالمي» واعتبار ذلك سياسة ردعية مشروعة، ضد الخصم الافتراضي ولا نسمع بعد ذلك أي بيان استفهامي ناهيك عن بيان استنكاري من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو ما بات يعرف بمنظمات «المجتمع الدولي». .. عندها فقط نكتشف مفهوم ومعنى الدعوات الملحة الصادرة عن هذا «المجتمع الدولي» لرؤية منطقة الشرق الأوسط «خال » تماماً من أسلحة الدمار الشامل، (اقرأها خال تماماً من القدرة على الممانعة ومقاومة الإملاءات الصادرة عن دول النادي النووي ومعسكرها المتقدم «إسرائيل»). لا أحد مطلقاً يريد لمنطقتنا العربية والإسلامية أن يراها مسرحاً لاستعراض القوة أو حرب العضلات من أي شكل كان سواءً بطريقة السلاح التقليدي أو النووي، وكلنا ندعو إلى إخلاء كامل ليس فقط لمنطقتنا بل وللعالم أجمع من جميع أنواع الأسلحة المدمرة ولاسيما أسلحة الدمار الشامل وخصوصاً من السلاح النووي. لكننا في الوقت نفسه لا يجوز أن نقبل لأنفسنا البقاء متفرجين على الاستعراض الخطير لنهج اللاتوازن واللااستقرار واللاعدالة واللاإنصاف في العلاقات الدولية، ولاسيما تلك المتعلقة نتائجها المباشرة بمستقبل شعوبنا وبلداننا بحجة أننا متهمون بـ «الإرهاب» وتهديد الاستقرار والأمن الدوليين، وإبادة الدولة العبرية، حتى تثبت براءتنا، لابد من وضع الهرم على قاعدته الصحيحة، وقد آن الأوان للبدء بنسج العلاقات الصحيحة والعادلة والمتوازنة مع العالم من حولنا، إذ لا يجوز أن نقبل بمثل هذه القسمة «الضيزى» بعد الذي سمعناه من زعيم دولة متحضرة تملك حق الفيتو في المجتمع الدولي تسمح لنفسها بتكريس قواتها النووية للاستخدام الفوري في حرب استباقية مشروعة ضد «قادة دول ومراكز سلطة متهمة برعاية الإرهاب» من أجل حماية مصالحها الحيوية من «حرمة الأرض الوطنية وحماية السكان والممارسة الحرة للسيادة وضمان وصول المواد الاستراتيجية...»، فيما يطلب منا بالمقابل «الوقف الفوري والكامل لأي شكل من أشكال الأبحاث التي يمكن أن تتطور يوماً إلى أبحاث تسليحية»، وذلك حفاظاً على الأمن والاستقرار الدوليين، أو بحجة التهديد المحدق بالدولة العبرية، علماً بأن هذه الدولة المهددة بالإبادة، المفترضة هي الدولة الوحيدة المدججة بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها السلاح النووي الفتاك ولا تخضع مطلقاً لأي شكل من أشكال الرقابة، فضلاً عن أن النادي النووي الدولي يمنحها هذا الحق المطلق في البقاء خارج الرقابة الدولية بحجة أنها في معرض التهديد والخطر الشامل، إنه فعلاً عالم يفتقر إلى الإنصاف والعدل ومليء بالتناقضات، بل وكله إصرار على إكمال هيمنته المطلقة على ما تبقى من «جيوب المقاومة والممانعة» لهذا الظلم الذي بات مجسداً اليوم بما بات يطلق عليه زوراً وبهتاناً «المجتمع الدولي» الحر الداعي إلى السلم والتقدم والديمقراطية والتسامح، ثمة قول مشهور منذ القدم ولايزال يستخدم في بلاد الشام ومصر: «يا فرعون مين فرعنك؟ قال: ما حدا ردني». إن هذا «التفرعن» في العلاقات الدولية ­ إذا جاز التعبير ­ والذي يزداد حدة يوماً بعد يوم يعزو البعض سببه إلى تلك النظرة «التسامحية» الزائدة عن الوصف والتي يبديها البعض تجاه «الآخر» وهو يلوح بأساطيله مرة وبترساناته المدججة بالسلاح مرة أخرى إلى أنه وصلت حديثاً بالنووي خوفاً من اتهامنا نحن العرب والمسلمين بـ «الإرهاب» حتى وإن كنا نعرف تماماً أننا براء منه. لسنا بصدد الترويج لضرورة التسلح النووي مطلقاً، ذلك أن «بوليصة» التأمين الحقيقية والدائمة والفاعلة لدى بلداننا تكمن في وحدتنا الوطنية الداخلية وعدالة حكامنا مع شعوبهم وإشاعة نهج الحريات وقبول التعددية والتنوع والحوار الدائم والمفتوح بين الكتل المكوّنة لمجتمعاتنا وإنصاف الجميع وإشراكهم في الهمّ الوطني العام فذلك الحل في مواجهة التهديدات الخارجية. لكن، وبالمقابل، فإن علينا ألا ننسى أن السلّم والاستقرار والأمن العالمي لا يمكن أن يتأسس أو يدوم بمعادلة عرجاء تضخ القوة والمنعة المتزايدة للقوي، فيما تسحب من الضعيف كل ما يرسخ لديه من إمكانات القوة لتزيده ضعفاً وفقراً. إن الوصول إلى ناصية العلوم والتكنولوجيا النووية في المقدمة اليوم، بات جزءاً لا يتجزأ من قوام بناء الأمم، ناهيك عن تقدمها، وبالتالي لا يجوز استخدام وسائل التهويل والترويع والترهيب بحق الدول الضعيفة والنامية من أجل منعها من اكتساب هذه التقنية اللازمة والضرورية في أكثر من خمسمئة صناعة وعلم، كما يقول الخبراء، بحجة احتمال لجوئها إلى التسلح الفتاك، فيما تشرع الأبواب أمام الدول القوية حتى لو كانت معتدية ومغتصبة لحقوق الآخرين، ليس لاكتساب هذه العلوم بل وللتسلح بل والتهديد به، بحجة أنها «حرة ديمقراطية»، أليست هذه حرب إبادة شاملة للدول النامية، ولكن بطراز حديث؟، * رئيس منتدى الحوار العربي ­ الإيران

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً