تزايدت أخيراً اقتراحات المتشددين دينياً من النواب الذين لا يعترفون بحرية اختيار الإنسان لتصرفاته وتحمله نتيجة أعماله أمام الله سبحانه يوم القيامة بالثواب والعقاب. وأرادوا أن يسيطروا على حياة الناس باسم الدين. على رغم أن الدين الإسلامي لا يعطيهم الحق في ذلك. ولم يكتفوا بالاقتراحات وإنما جعلوا مجلس النواب مرتعاً لفرض هذه الأفكار المتشددة المقيدة لحرية الإنسان في اختيار أسلوب حياته. ونسوا أن المجتمع البحريني يضم الديانات والعقائد المختلفة. ولا يحق لهم فرض ما يحرمه الدين الإسلامي على هؤلاء الذين ينتمون إلى ملل أخرى في مجتمع عرف عنه منذ القديم التفتح والتسامح وحرية الاعتقاد وممارسته في أمان واطمئنان. بتشجيع الدين الإسلامي الحضاري الذي وضع أساس الدعوة إليه الحكمة والموعظة الحسنة. إن ما يضايق البحرينيين ويضايقني كمواطنة. حقاً أنني أجد هؤلاء قد حولوا المجلس النيابي الذي تأسس لتلبية احتياجات المواطنين البسطاء وحقوقهم المسلوبة في معظم الأحيان. ومراقبة أداء الدولة لما فيه مصلحة المواطن ومملكة البحرين. إلى محاولة فرض آرائهم المتشددة دينياً من خلال فرض القوانين التي تطالب الناس بغلق متاجرهم ساعتين يوم الجمعة لأداء فريضة الصلاة في المساجد. ولا أدري ما الهدف من هذا الفرض الآن؟ أولاً: من يريد أن يصلي سيقفل متجره من دون قانون يفرض عليه، أو سيضع بائعاً من دين آخر لينوب عنه فترة غيابه. ثانياً: من لا يريد أداء صلاة الجمعة سيظل في متجره وسيعمل داخله ليكمل أعماله الحسابية. أي أننا لم نفعل شيئاً بفرضنا إغلاق المتاجر، سوى إرغام الناس والتدخل في حياتهم الخاصة وعلاقتهم الخاصة بالله. وهو إرغام لا يقبله الدين الإسلامي. والدليل على ذلك عدم تدخل ومنع الصحابة ومن بعدهم في حياة أصحاب الديانات الأخرى وعاداتهم عندما قاموا بنشر الدين الإسلامي في تلك الدول. وأسلم الناس حباً في الدين الإسلامي وإعجاباً بأخلاقيات المسلمين في ذلك الوقت، ولم يتعود مجتمع البحرين المتسامح على هذا النوع من القوانين المقيدة للحريات الشخصية. ثالثاً: ألم يراع مقترحو هذا القانون أن بعض المتاجر تملكها نساء ليس من المفروض ذهابهن إلى المساجد ويستطعن الصلاة داخل متاجرهن، وبعض أصحاب هذه المتاجر مسيحيون أو يهود أو بوذيون أو غير ذلك من الديانات والعقائد؟ فلماذا يقفلون متاجرهم ساعتين للصلاة في المساجد يوم الجمعة؟ ولو كان النواب المتشددون وضعوا جهدهم في أمور تمس احتياجات المواطنين الأساسية من محاربة الفساد وغيره لكانوا أكثر تقرباً إلى الله. من الاهتمام بالأمور الشكلية في الدين الإسلامي. والمؤسف أني لا أرى ذلك الحماس نفسه عندما بدأ التحقيق في التجاوزات المالية في هيئة التأمينات وصندوق التقاعد. أكثرهم لزم الصمت وساهم بسلبيته في التراجع عن محاسبة المسئولين عن هذه التجاوزات غير القانونية، فأين إسلامهم هنا؟ هل أسكتتهم مجاملات الوزراء والرواتب المغرية والأبهة التي وجدوا فيها أنفسهم بعد أن أصبحوا نواباً، والأراضي التي سمعنا أنهم حصلوا عليها من الدولة. وتلخص اهتمامهم في مستقبلهم بعدأ ن يخرجوا من الباب الخلفي فأخذوا يطالبون برواتب تقاعدية كبيرة لكي لا يعودوا إلى رواتبهم الضعيفة التي كان يعيش معظمهم عليها. والواقع أنني لا أجد إلا ثلاثة نواب حريصين على مصالح الشعب ويناضل معهم لتحقيق هذا الأمر عدد قليل منهم والباقون ومنهم الدينيون الذين يثيرون الدنيا لضرورة سواقة المرأة بالنقاب والفصل بين الجنسين في الجامعة وإلغاء الحفلات الغنائية. هؤلاء يتراجعون في البحث عن الحقائق التي في صالح الطبقة المحدودة والأقل من المحدودة من الموظفين في أمر يتعلق بأهم عنصر في حياتهم. وهو رواتبهم بعد التقاعد في ظل الفساد الذي حدث في صندوق التقاعد وهيئة التأمينات. وعندما يطالب بعض النواب في التحقيق في قسم الطوارئ والفساد المالي الذي كان يحدث في وزارة الصحة لا نسمع أصواتهم وتغلب السلبية على تصرفاتهم، بل وإعاقة بعض التحقيقات كما نقرأها في الصحف. فأي دين هذا الذي يؤمن به هؤلاء النواب المتشددون؟ هل يفصلونه حسبما يريدون لا كما يريده مطبقاً الله سبحانه وتعالى؟ أين صوت الحق لديكم أمام فساد بعض المسئولين والإخلاص في الوظيفة التي تمثلون بها الشعب الذين انتخبكم وخاب أمله في غالبيتكم؟ ألستم تخالفون الدين الإسلامي بهذا الصمت السلبي؟ أم ارتحتم بمخصصاتكم العالية التي تكلف الدولة أكثر من ثلاثة ملايين دينار سنوياً بخلاف العطايا الأخرى، ونسيتم هموم الموظفين البسطاء والمواطنين البائسين وأصبحتم تهتمون بأمور شكلية وسطحية لا تهمهم وتدخل في نطاق علاقتهم الخاصة بالله سبحانه وتعالى وهو أمر لم يتعود عليه المجتمع البحريني المتسامح المتفتح. * كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ