أحدث فوز «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وسيطرتها على غالبية مقاعد البرلمان صدمة سياسية أثارت سلسلة ردود فعل متضاربة. البعض استنكر، والبعض صمت، والبعض الآخر رحب أو تحفظ. ردود الفعل كانت سلبية وإيجابية. والكل توافق على عدم توقع مثل هذه النتيجة الكاسحة. وفي هذا المعنى تساوى الخاسر والرابح في قراءة التوقعات. حتى حركة «حماس» لم تكن تتوقع حصولها على مثل هذه النتيجة التي وضعتها أمام مسئوليات قيادية وإدارية كبيرة. ما حصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضع مختلف الأطراف أمام أسئلة صعبة. والسؤال البديهي الأول: ماذا بعد الفوز؟ هذا السؤال يمكن تجميد الرد عليه إلى فترة زمنية لا تقل عن مئة يوم. فالمئة اليوم الأولى تعتبر بداية اختبار وتعطي فكرة موجزة عن أسلوب إدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وكيفية تعامل السلطة مع حاجات الناس ومتطلباتهم... كذلك تقدم بعض العناوين العامة عن تعاطي الحكومة مع المعارضة والتشكيلات التنظيمية والعسكرية الأخرى الموجودة في الشارع أو الممثلة في البرلمان. مئة يوم أمام «حماس»، وهي فترة قصيرة، ولكنها كافية لإعطاء فكرة عن قدرات السلطة الجديدة في تطويع المشكلات والسيطرة عليها وتقديم الحلول المؤقتة (أو الدائمة) لها. فالفوز في الانتخابات ليس الهدف وكذلك ليس نهاية المطاف وانما هو بداية جديدة لخوض تجربة مختلفة تتطلب عقلية إدارية لتنظيم العلاقات والرد على الحاجات وصد الهجمات المتوقعة من الاحتلال الإسرائيلي. حركة «فتح» تقول إن «حماس» لا تملك الخبرة، وتفتقد التجربة، وينقصها البرنامج الاجتماعي (الاقتصادي، التربوي والصحي)، ولم تراكم سابقاً ثقافة في التفاوض مع الاعداء والخصوم، ولا تدري شيئاً عن القانون الدولي، ولا تعرف كيف تدير المصالح وسط أمواج من الضغوط الإقليمية والتهديدات الدولية. وكل هذه الأمور مجتمعة جعلت من أركان «فتح» توقع فشل حركة «حماس» في تحمل مسئولياتها الوطنية (التحرير وبناء دولة مستقلة) والاجتماعية (تلبية حاجات الشعب الفلسطيني)... وصولاً إلى عدم قدرتها على تأمين المال اللازم للموازنة ودفع أجور الموظفين والقيام بمشروعات التنمية والتطوير. هذا الكلام رددته بعض قيادات فتح. وكله يصب في إطار التعليق على فوز انتخابي كان مستبعداً إلى فترة قريبة. والرد على هكذا تعليقات وأسئلة افتراضية يتطلب إجابات مباشرة من حماس. ولكن الإجابات المباشرة لن تكون هذه المرة شفهية كما كان الأمر سابقاً وانما عملية وميدانية ويتوقع ظهورها خلال الفترة الأولى من التجربة السياسية الجديدة. أمام حماس مئة يوم إذاً للرد على تلك الأسئلة وتأكيد صحتها أو عدم صدقيتها. الأسئلة محرجة فعلاً. وهي دائماً تأتي من أطراف امتهنت السلطة واحتكرت التجربة وتعتقد وهماً انها الطرف الوحيد الذي يملك مفاتيح الحلول بسبب وجودها في موقع قيادي اتيحت له فرص التعلم من الأخطاء والاستفادة من العلاقات والاتصالات وبالتالي أخذ الحيطة والحذر في مجالات مختلفة حتى يتم توظيف الإيجابيات لمصلحة الثورة والسلطة... إلى آخر الشعارات المرفوعة منذ قرابة 40 عاماً. هذا الحذر مشروع في المبدأ. والآن على حماس أن تثبت العكس خلال فترة المئة اليوم الأولى. فهذه المرحلة القصيرة تعطي فكرة عامة وموجزة عن مدى تمتع القوة الانتخابية الصاعدة بتلك المؤهلات والكفاءات المطلوبة لإدارة شئون سلطة تتعرض للكثير من المقاطعات الدولية والتهديدات الإسرائيلية. فالمشكلات التي تعاني منها السلطة الفلسطينية مختلفة عن غيرها من الدول. كذلك أمامها يومياً مجموعة مهمات إضافية لا تعاني منها عادة تلك الدول المستقرة التي يعترف مجلس الأمن بسيادتها وحقوقها الكاملة. فالسلطة الفلسطينية أقل من دولة بالنسبة إلى قوانين الشرعية الدولية وهي أقرب إلى إدارات الحكم الذاتي، وهي أيضاً محكومة بالاحتلال وشروطه وتتعرض لانتقادات يومية بدءاً من واشنطن وانتهاء بدول الاتحاد الأوروبي. كل هذه الأسئلة مطروحة وهي ترتقي في إجاباتها إلى مستوى المسئولية العامة والمهمات اليومية. فهل تنجح «حماس» بعد فوزها في الانتخابات؟ هذا هو السؤال.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ