العدد 1239 - الخميس 26 يناير 2006م الموافق 26 ذي الحجة 1426هـ

إلى متى يفقد المواطن كرامته على الحدود العربية؟

سعيد البصري comments [at] alwasatnews.com

-

بين الحين والآخر تطالعنا الصحافة المحلية بخبر مفاده أن أحد أبناء المملكة أوقف على حدود هذه الدولة أو تلك. والظاهرة مستمرة وربما آخذة في الازدياد. وآخر خبر هو ما نشرته «الوسط» في عددها الصادر يوم الأحد 22 الجاري، حين أوقف المواطن الشيخ منير معتوق في منفذ النويصيب، وتمّ تكبيل يديه ومنعه من دخول دولة الكويت الشقيقة بحجة أن اسمه مدرج على قائمة الممنوعين من السفر، والمتخلفة من فترة التسعينات، وأنّه أحيل إلى الانتربول الكويتي. وطالما نفت وزارة الداخلية في المملكة أن لها يداً في ذلك، ووعدت في أكثر من تصريح بعد عدّة لقاءات تمّت بين ممثلين عنها وآخرين عن إدارة «جمعية الوفاق» بأن تجد لهذه الظاهرة حلاً.

إن ما يتعرض له بعض المواطنين على الحدود من إهانة، يشعرنا بالأسى والإهانة، فمثل هذه الأخبار تستحق منّا ومن الدولة على حد سواء وقفة جادة وصادقة مع النفس، ونقولها بكل أسف: إنّنا في الوقت الذي نتطلع فيه إلى أن تقوم سلطات الأمن في دولنا الخليجية بتسهيل إجراءات السفر على الحدود، نجد العكس من ذلك تماماً. وفي الوقت الذي نسافر ونتنقل بكل يسر وسهولة من بلد أوروبي إلى آخر، يتحمل البعض منّا مختلف المتاعب على حدود دولنا الخليجية.

وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى حد الإهانة، ومن المخجل حقاً أن نستجدي الكلمة المرحبة والابتسامة الجميلة من رجل الجمارك على مختلف حدود بلداننا الخليجية، بما فيها بلدنا العزيز، إلى الدرجة التي نشعر فيها بالغربة والوحشة ونحن على أرض الوطن. فكلّ ما لديهم هو السؤال الآتي: من أين أنت قادم؟ وماذا يهم هذا السؤال الممل إن كنت قادماً من لبنان أو أميركا أو من جزر الواق واق؟

إن المنافذ الحدودية هي الواجهة الأولى لأي بلد، والمرآة العاكسة لواقعه، فلنجعلها مرآة صافية وغير مشوّهة؛ لأن في تشويهها تشويهاً لصورة أبناء الوطن كله. وإذا أمكن الصبر لغير المعنيين بصورة مباشرة بهذا الأمر، فماذا بشأن المعنيين بصورة مباشرة، وبأسرهم وأصدقائهم؟ ألا يكفي المواطن ما تحمّله من عناء ومشقة السّفر والإجراءات المتعبة في غالبية الأحيان، وفوق كل ذلك عليهم أن يتحمّلوا المس بكرامتهم وعزّتهم؟

إنّ الإصرار على تكرار تلك المواقف المؤسفة لأبناء الوطن على الحدود بات أمراً مثيراً للمشاعر. فمن المسئول عنها؟ وإلى متى سيظل ملفها مفتوحاً؟ وهل صحيح ما يقال من أنّ كل ملف يُفتح لا يجد من يُحسن أو يجرؤ على غلقه؟ وهل بات أمر علاج هذه الظاهرة عسيراً كعسر قضية الشرق الأوسط؟! وأين كل هذا من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك؟ ألا يسهم هذا الملف وغيره من الملفات العالقة الكثيرة، في جعل المشروع الإصلاحي تحت رحمة من لا يريد للوطن أن يهدأ ويستقر؟

هذه الأسئلة وغيرها تتردد كثيراً على ألسنة المواطنين، وهي أسئلة مشروعة تحتاج إلى وقفة جادة لمعالجتها، لأن تبعات تلك الملفات العالقة خطيرة، تزيد من حالات الاحتقان لدى الشارع العام الذي بدأ يعوّل على العملية السياسية الآخذة في النمو والتطور، وتسهم في زعزعة الثقة بين المواطن وأجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسها الجهاز الأمني، كما يرغب أن يرى آثار المشروع الإصلاحي واقعاً ملموساً على الأرض لا شعارات ترفع بين الحين والآخر. كما تجعله يجزم بأنه لايزال هناك من الحرس القديم من لا يريد للأمور أن تعالج، ولا لمسيرة الإصلاح أن تتواصل؛ أملاً في كسب المزيد من المصالح الخاصة.

إن الدفع بهذا الاتجاه يربك حركة التطور التي تشهدها المملكة، تماماً كما هي ظاهرة الحركات غير المدروسة التي تنطلق من هنا أو هناك، وتسهم في تعطيل مصالح البلاد والعباد. وإذا كان ثمّة فرق بين هذه وتلك، فإن هذه الظاهرة إرباك مكشوف للمسيرة، وتلك إرباك مقـنّع، وهما بالتالي وجهان لعملة واحدة يتقاسمان الدور في تعطيل مسيرة الإصلاح، بل إن موقع المسئول وهو يمارس عملية الإرباك المقـنّع أشدّ وطأة على الوطن وسلامته، لأنه يحتل موقع القدوة الذي ينبغي أن يكون محل تقدير واحترام من الآخرين، ولأن تبعات أخطائه تتعدّاه لتنعكس سلباً على أمن الوطن والمواطن.

نعم، قد تأخذ بعض الملفات وقتاً ولا ضير في ذلك، ولكن أن تبقى عالقة حتى هذا الوقت من دون حل فهذا ما لا يقره عقل أو ضمير، لذلك يجب التصدي بإرادة مخلصة وحس وطني للعمل على حلحلة تلك الملفات وغلقها. وإنـّني لأحسب أن لدينا من المسئولين من يتحلّى بذلك، فقد كنت أحد الذين قابلوا وزير الدّاخلية اللواء الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة في العام الماضي في مجلس عضو مجلس الشورى عبد الجليل الطريف، على اثر حوادث وقعت في منطقتنا، فوجدنا فيه من سعة الصدر ودماثة الخلق ما شجّـعنا على أن نكون معه صريحين إلى أبعد الحدود، كما لمسنا منه الحرص والاهتمام بأهمية التواصل بين الأهالي والمسئولين لردم كل الاحتقانات العالقة في النفوس، ومعالجة مختلف القضايا بالتعاون مع الأهالي في كل منطقة، بما يصب في مصلحة الوطن والمواطن. لذلك نأمل أن تحظى ظاهرة إيقاف المواطنين على الحدود باهتمامه؛ لتجد طريقها إلى الحل في أسرع وقت ممكن.

وإذا كان من كلمة أخيرة بهذا الخصوص، فإننا نقول: إن الوطن عزيز وعزيز جداً، ولكن لا يختلف أحد على أن هناك ما لا يقل عزة من الوطن، ألا وهي كرامة المواطن، فلا تضيعوا عزّة الوطن وكرامته، بضياع عزّة وكرامة المواطن، سواء داخل حدود بلده أو خارجها. فهل سيحل هذا الإشكال، أم سنظل نغمض أعيننا... حتى إذا انفرط العقد دعونا بالويل والثبور وعظائم الأمور؟

ناشط سياسي

العدد 1239 - الخميس 26 يناير 2006م الموافق 26 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً