العدد 1239 - الخميس 26 يناير 2006م الموافق 26 ذي الحجة 1426هـ

تأملات في المؤثرات الرئيسية في صدور وتطبيق قانون الأحوال الشخصية

عيسى الفرج comments [at] alwasatnews.com

يعتبر قانون الأحوال الشخصية، من وجهة نظر تشريعية، باباً من القانون المدني لبلد ما. وقد خلا منه قانون البحرين المدني (19/2001) الصادر في 3 مايو/أيار ،2001 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 2476 الصادر بتاريخ 9 مايو 2001 والذي بدأ العمل به منذ 1 سبتمبر/ أيلول .2001 ولاتزال المملكة من غير تشريع مكتوب يحكم العلاقات بين الأقارب المسلمين الذين تبسط عليهم سلطانها، من مواطنين أو قاطنين. ذلك لأن وضع هكذا تشريع لم يسبق صدور القانون المدني، ولم يلحقه، كما تقدم القول.

وحتى هذا التاريخ، فإن ما يبدو جلياً في الأفق هو أن تشريعاً من هذا القبيل ليس قريب الصدور. وإن هو صدر فإنه سيأتي ضعيفاً في نصه أولاً، ثم سيلحقه الضعف من ناحية تطبيقه في المحاكم من ناحية أخرى، ذلك لأن هناك عدة أسباب موضوعية وسياسية. وهذه الأخيرة تتجلبب بأقنعة لا تشف شفافية كافية عن الأهداف الكامنة لذوي الاصطفافات المهيمنة والمؤثرة في لعبة تنظيم صدور القانون المنظم للعلاقات بين الأقارب والذي تم التعارف على تسميته بقانون الأحوال الشخصية في كثير من البلدان الناطقة باللغة العربية.

وفي هذا المقال، نتناول أهم الفئات التي تتأثر سلباً أو إيجاباً بصدور قانون الأحوال الشخصية، باستثناء الناس الذين ينظم علاقاتهم هكذا قانون، أي باستثناء السواد الأعظم ممن يعنيهم تأخر أو سرعة صدور القانون. أو بعبارة ثالثة، بهدف كشف الجهات التي تستفيد سلباً أو إيجاباً من صدور القانون، وتسليط بعض الضوء على ما يجب على السواد الأعظم أن يتخذه من مواقف تجاه تلك الفئات، مجتمعة أو متفرقة. ولابد من التنويه إلى أن التركيز سينصب على ما هو حاصل فعلاً، وإن ابتعدنا بالنتيجة عما يجب أن يكون عليه الحال.

أولاً: الحكومة

وهذه الفئة تستفيد من بقاء الحال على ما هو عليه من انشقاق طائفي، تجاوزت أهم مظاهره تفاوت أيام العيد الواحد في المجتمع الواحد في البلد الواحد. بل إن الانشقاق الطائفي الذي استحدثه الإنجليز أيام حكمهم للبلاد تم تكريسه بعد نيل الاستقلال في قوانين نظمت السلطة القضائية من وقت إلى آخر. وكان آخر هذه القوانين هو قانون السلطة القضائية الحالي (42/2002) المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 2553 الصادر بتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2002 والذي بدأ العمل به منذ 1 ابريل/ نيسان .2003 فقد أبقى هذا التنظيم على وضع تقسيم المحاكم العادية بين مدنية وأخرى شرعية وصولاً إلى الهدف الحقيقي من هذا التقسيم، وهو الوصول إلى تقسيم المحاكم الشرعية على قياس الفرقة والانشقاق الطائفي الذي كان معمولاً به قبل صدور القانون الجديد. يذكر أن هذا القانون الجديد صدر في خضم مرحلة الإصلاح، وبالذات في الفترة نفسها التي سماها البعض بفترة «ربيع البحرين».

ثانياً: قضاة الشرع

وهذه الفئة متنفذة، وقد كان لسياساتها المستترة على مر السنين، أثر لايزال مشهوداً ولايزال يعرقل عملية إصلاح المحاكم الشرعية على هذا الجانب من الشرخ الطائفي. فأكثرهم من هذه الفئة الأصغر يعودون لأصل واحد، كان مشهوراً منذ بدايات القرن الميلادي الماضي. واشتملت مذكرات تشارلز بلغريف المنشورة ويتم تداولها في البحرين برخصة - مفترضة على الأقل - من حكومتها على عبارات قد يعتبرها البعض قذفاً في الرجل. وإذا لم يقم أحد ممن يهمهم أمر تزكية ذكراه من خلفه العام بالاحتجاج أو التصدي لذلك القذف، فيمكن اعتبار تلك المذكرات صحيحة وقانونية آنفاً، وحتى يقوم الدليل القانوني أو القضائي على خلاف ما جاء في مذكرات بلغريف عن الرجل.

ومن الآثار الحالية للتنفذ مصحوباً بالتقسيم الحالي المذكور أعلاه للمحاكم هو بقاء محكمة استئناف عليا شرعية من غير قضاة يمكن تعيينهم في هذه المحكمة ومنذ أن استقال العريبيان منها في نهايات العام الميلادي .2004 ويستتبع هذا الخلل الموروث أن جميع الأحكام التي تصدرها هذه المحكمة منذ ذلك التاريخ وإلى أن يتم تعيين هيئة كاملة لهذه المحكمة هي أحكام معدومة لا تتمتع بأية شرعية. ويحق قانوناً لجميع من تضرّر بأية أحكام أصدرتها هذه المحكمة بعد ترك العريبيين لها أن يطعن في هكذا أحكام وأن يمتنع من تنفيذها، مع ضرورة اتباع الطرق السليمة قانونياً للوصول إلى هكذا امتناع، وليس هذا مقام ذكر هذه الطرق بأكثر مما تقدم.

كما تستمر استفادة قضاة الشرع من غياب قانون الأحوال الشرعية استفادة مباشرة عن طريق ترقيهم بوتيرة أسرع من قضاة المحاكم غير الشرعية، ما يوفر لهم مداخيل أكبر، في الدرجات القضائية الأعلى، وذلك على رغم، وبالخلاف الحاد، لحقيقة أنهم يحصلون على مؤهلات علمية أدنى - حتى إن صح تصنيف المؤهلات الحوزوية على أنها مؤهلات علمية - من المؤهلات التي يحصل عليها غيرهم من القضاة الذين يتعينون في المحاكم غير الشرعية.

ومن ناحية ثالثة، فإن غالبية قضاة الشرع الحاليين، لا يصلحون للتعيين في المحاكم غير الشرعية، بينما العكس صحيح بشأن القضاة في المحاكم غير الشرعية. فهؤلاء الأخيرون، معظمهم مؤهل لأن ينظر، وأن يصدر أحكاماً في الدعاوى القضائية بين الأقارب إلى جانب القضايا الأخرى؛ تطبيقا لقانون الأحوال الشخصية - لو صدر، وغيره من القوانين الحاكمة الأخرى - فيما يخص دعاوى الأقارب.

ونحن نرحب بأية آراء تقول بقدرة معظم القضاة الشرعيين - الحاليين على الأقل - على مجاراة قدرات زملائهم في المحاكم غير الشرعية في حال دمج المحاكم وإسباغ المنزلة الصحيحة على قانون الأحوال الشخصية كباب من أبواب القانون المدني، وسواء قبل صدور النص (قانون الأحوال الشخصية) أو بعد ذلك.

ثالثاً: المجلس الأعلى للمرأة

يحسن هذا المجلس الظن إذ يعول على صدور قانون الأحوال الشخصية. وبقصد عدم الإطالة، نقول إن حسن الظن لا يكفي. ولا نحسب أنه سيكتفي بحسن الظن وبعد ذلك سيقنع بالتراخي ولا يقوم بالمتابعة اللصيقة للأحكام الشرعية التي تصدر بعده. لأن أي مكتسبات يتوخاها المجلس من صدور القانون لن تتحقق ما لم يتم تطبيق نصوصه تطبيقاً قريباً من النتائج التي ربما كان المجلس بصدد حصولها وكانت السبب في إنشائه بالدرجة الأولى. وعليه، بعد ذلك أن يعد النصوص التعديلية البديلة وأن يمررها كما يجب من خلال القنوات الدستورية، ولكن المراقب لفعاليات هذا المجلس، يجد أنه يفتقر لكثير من الضوابط والمقاييس اللازمة في صنع القرار. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، قيامه بتمويل بعض القضايا التي سجلت في المحاكم القضائية، واستفاد منها فقط بعض المحامين من الدرجة الثالثة. وأدت في نتيجتها إلى اتساع الهوة في بعض الأسر. كما أدت تلك القضايا إلى توريط المجلس الأعلى للمرأة في رفع الشكاوى التافهة ضد أطراف حكومية (يعني الحكومة تقاضي الحكومة، من غير طائل، هدراً لأموال الشعب)! كما أدت إلى إطالة قائمة الدعاوى القضائية ومفاقمة عبء الكادر القضائي بقضايا هي أتفه من أن ترفع، وما أدى لرفعها غير توافر المال العام الضال وجشع بعض المحامين وافتقارهم إلى زبائن من نوعية أفضل. ولعل بعض العذر يلتمس للمجلس وهو يخطو أولى خطوات طفولته المبكرة، منذ تم إنشاؤه حديثاً نسبياً. كما أن بعض العزاء يلتمس من كون رئيسه محامية مخضرمة هي أعرف بشعاب القضاء عموماً - ولا نقول الشرعي - مع وهن الفارق، لو كانت الأمور على أفضل مما هي عليه الآن.

وعموماً، فلا يكفي ما تقدم من المعاذير لكي يبقى المجلس الأعلى قائماً، ما لم يرفع كفاءته في أداء المهمات المناطة به. ويأمل الشعب ألا يطول، أو أن يتحول وضع المجلس إلى أداة هدر للمال العام تستفيد من استمرار بقائها فئة صغيرة كما هو الحال في بعض المرافق العامة الأخرى، مثل القضاء الشرعي في وضعه الحالي والسابق، والمشار فيما تقدم إلى بعض وجوه تعارضه مع المتوخى منه.

رابعاً: المأذونون الشرعيون

وهذه فئة أخرى يرمى إليها بالفتات، وترضى به. ويعرفها العامة بما يكفي في هذا المقال أن نقتصر الكلام فيما يخصها على مقارنة قيمة إنتاجها المجتمعي بكلفة ذلك الإنتاج. ولسنا بصدد الحكم على كفاءتها بإطلاق الحكم بشأنها، لأن ذلك يتجاوز القياس الموضوعي فيصل إلى / ويحكِّم القياس الشخصي. وقد اكتفينا هنا بالقياس الموضوعي فقط. وفائدة هؤلاء تقتصر على توصيل بعض منتجات العمل الرسمي إلى موائد معينة، مثل موائد الاحتفال بثمة قرانات أو انتهاء قرانات أخرى، يفضل أطرافها أن تأتيهم الحكومة إلى قماقمهم وأكوازهم. ومستعدون لدفع أثمان يسميها أعضاء هذه الفئة أو يسمح بها أو يفرضها العرف على المستفيدين منها. ويصعب على المجتمع أن يراقب أداء هذه الفئة، لأن أكثر عملها يكون تحت الأرض لا من فوقها، كما هو الحال بالنسبة إلى المحاكم والهيئات الرسمية الأخرى، و/ أو مؤسسات المجتمع المدني.

ويكمن الثمن الذي يدفعه المجتمع لقاء تكوين هكذا فئة في استمرار عدم القدرة على مراقبة نوعية أدائها - كما تقدم القول - من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن هذه الفئة تحصل على مداخيل تفوق بأضعاف مداخيل فئات القوة العاملة الأخرى من غير مبرر من مؤهل علمي أو انعدام البديل المناسب لمنتوجاتها، لو أصابت حمى الإصلاح طالبي نتاج عمل هذه الفئة، وهو لا يكلّف أكثر من التوقف عن طلب هذا الإنتاج في الأكواز والقماقم وطلبها في ضوء النهار أو من فوق سطح الأرض وتحت ضوء الشمس.

كما أن البلد بحاجة إلى توجيه كفاءات الشباب نحو مخرجات تعليم أفضل، ولايزال طريقنا طويلاً في هذا المضمار. ولا نزال في بداية الطريق على رغم بدئنا التعليم الحكومي النظامي منذ العام .1919 ولكن، لانزال نفتقر إلى أبسط الكفاءات، فنستوردها وندفع أثماناً باهظة. بينما نستنكف عن سلوك الطريق الأقوم، وكأن الذكر الحكيم لم يسخر من قوم رفضوا الإصلاح والتجديد: «كَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ»، (الزخرف:23). لذلك، فقد أسفنا لصدور القرار الوزاري ر

العدد 1239 - الخميس 26 يناير 2006م الموافق 26 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً