العدد 1239 - الخميس 26 يناير 2006م الموافق 26 ذي الحجة 1426هـ

سياسيين... «طَبَلْ»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحياناً نتصور نحن أبناء العالم الثالث ان سياسيينا هم وحدهم الـ «خاش باش»، ولكن عندما نتأمل مواقف وتصريحات قادة دول العالم الآخر «المتنور» أو «المتطور»، نرى انهم لا يقلّون عن زعمائنا من الناحية «الخاش باشية»، في العام ،1981 وقف الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، أمام منصة الخطابة بأحد الفنادق الأميركية الفاخرة، وكان الميكروفون معطلاً، فأخذ يطرق عليه مجرّباً، وقال مستخفاً دمه: «لقد أصدرت أمراً الآن بتدمير امبراطورية الشر»، الصحافة التقطت النكتة الثقيلة للمانشيت، وأخذت تبني عليها تحليلاتها. الاتحاد السوفياتي اعتبرها مزحةً سمجةً لا تخلو من جد، وخصوصاً أن ريغان «الخاش باش» مع بداية عهده كان يبشّر العالم بإمكان استخدام القوة النووية ضد المعسكر الآخر في حرب محدودة، بعد أن استقرت قواعد اللعبة الدولية لمدة 4 عقود على استحالة الخيار النووي بالمطلق، لأنه يعني ببساطة نهاية العالم. فكرة «امبراطورية الشر» ورثها جورج بوش الصغير وحوّلها إلى «محور الشر»، في حملة ملاحقة مجنونة للدول التي لا تعجبه سياساتها. وفي هذه الفترة شهد العالم كيف تحوّلت السياسة الأميركية إلى سياسة أكثر شراسة وقبحاً وكراهية في جميع أنحاء الأرض. لم يكن العالم يتوقع بطبيعة الحال أن تتحسن السياسة الأميركية أو تقل عجرفتها، وخصوصاً بعد أن استفردت بالعالم، ولم يكن يتوقع أن تسمح الشركات المتعددة الجنسيات أن يحكم الولايات المتحدة رئيسٌ رشيدٌ عاقلٌ ومتوازن في السلوك والأخلاق. ولكن الغريب ما حدث على الضفة الأخرى من الأطلسي، من «انقلاب» في موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك. فقبل عام ونصف، وأثناء زيارته إلى بريطانيا، شنّ هجوماً عنيفاً على الحرب على العراق، قائلاً: «هذه الحرب جعلت العالم أكثر خطورة من قبل، وعبّأت مشاعر المسلمين في العالم كافة ضد الغرب، وزادت من خطر الارهاب». في تلك الزيارة، حضر شيراك مع الملكة عرضاً خاصاً لمسرحية «البؤساء» الشهيرة لفيكتور هوغو، في قاعة «ووترلو»، بعد أن تم تغيير اسمها بسرعة وبقرار ملكي، إلى «قاعة الموسيقى»، لكيلا «يزعل» الضيف الكبير، إذ يذكّره الاسم بمعركة «ووترلو» بين فرنسا وبريطانيا، وانهزم فيها الفرنسيون بقيادة نابليون. وبعد أن غادر شيراك، أمرت الملكة بإعادة اسم القاعة الأول، هذا الرئيس الذي ضحكت عليه ملكة بريطانيا، خرج على العالم قبل أسبوع بتصريح عن استراتيجية بلاده الجديدة أثناء زيارته قاعدة غواصات نووية في ليل لونغ شمال فرنسا، تذكّرنا بحماقة ريغان الأولى، إذ قال «ان القوات النووية الفرنسية أعيد تصميمها، إذ تسمح بضربات موجهة، فمرونة قواتنا ستسمح باستهداف مباشر لرؤوس السلطة»، مشيراً إلى أن بلاده تلجأ إلى «رد غير تقليدي» إذا تعرضت لهجوم إرهابي من أية دولة، في إشارة إلى احتمال ان تستعمل فرنسا الضربة النووية من دون خوف من تداعياتها على الرأي العام، هذه «الخبطة العمياء» لم تمر مرّ الكرام، فقد وصفه النائب الشيوعي جاك برون بأنه موقف خطير للغاية، فيما اعتبرته «لوموند» موافقاً للنظرية الأميركية القائلة باستخدام الضربات الاستباقية. وفي الوقت الذي شجبت المعارضة الألمانية وبعض أقطاب التحالف الحاكم تصريحات شيراك بشدة، طالب بعض اليساريين باتخاذ موقف من شأنه إجبار فرنسا على التخلي عن رؤاها «المغامراتية». مع كل تلك التصريحات المتعجرفة وما تلاها من ردود فعل غاضبة من أقرب حلفائه في أوروبا (ألمانيا)، ادعى شيراك انه لم يطرأ تغيير في السياسة العامة الفرنسية، فالكذب والتضليل والخداع والاستخفاف بالرأي العام، لم يعد بضاعةً ينتجها سياسيو العالم الثالث وحدهم، انما أصبح بضاعة ينتجها كبار السياسيين الغربيين في عصر «العولمة». أمام كل هذه العربدة القادمة هذه المرة من عاصمة النور والثقافة كما يصفونها، لعل المرء يتساءل محتجاً: «هاي سياسيين...؟ سياسيين طَبَلْ»،

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1239 - الخميس 26 يناير 2006م الموافق 26 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً