لاشك ان هرمونات المشاركة للبرلمان بدأت في ازدياد في جسد المعارضة، فالحمد لله على إتمام النعم وزوال الشحم و«الدسم» من تفكير اخواننا. والآن بعد ذهاب سكرة المقاطعة بدأت تتخمر فكرة المشاركة وان كنت لست متفائلاً بالمولود الجديد الذي ستنجبه الانتخابات القادمة فقد تنجب لنا وجوها مشوهة بضمائر تجارية ممسرحة خصوصاً بعد انتشار فيروسات الطائفية القادمة من العراق. في الأشهر الأخيرة بدأنا نشهد رقصات شعبوية لم نرها من قبل لعلها قادمة مع هبوب رياح الانتخابات القادمة ولا غريب في ذلك فكلما اقتربنا من الانتخابات سنشهد المزيد من الحناجر المتفتقة والاستعراض السياسي من مرشح يريد نقل المطار إلى البديع، إلى آخر يؤمل الناس بتوزيع قطع ذهب مع ربطات الخبز، إلى ثالث سيحيي الموتى كهدايا للاحياء. البرلمان القادم سيكون أكثر نجاحاً، إذا تم الابتعاد عن سياسة كسر العظام والثأر من الأيام الخوالي، وتم اتباع سياسة التوثيق ولغة الأرقام. البرلمان ليس للخطب العصماء ولا للخطباء بل إلى المشروعات والبرامج وللمفكرين. وان يتم الابتعاد عن لباس العباءات الطائفية والتعاون مع الحكومة في الايجابيات وتشجيعها عليها وانتقاد وتعديل سلبياتها. لقد اثبتت التجربة ان المقاطعة لم تقدم حتى اكياس هواء للناس ويجب ان نعترف بذلك وفوتت فرصة 4 سنوات من عمر الناس. الخطب النارية لم تغير من الواقع، الحل: هو متابعة الملفات والقضايا والاشتغال على ثقافة المشاركة. اتمنى من المقاطعين ان يستفيدوا من العراقيين. صاموا عن المشاركة 80 عاماً ففطروا على علاقة مع الأميركان في تأسيس مجلس الحكم. أيام الاستعمار الانجليزي وبسبب ثقافة المقاطعة لدى علماء الشيعة يقول الانجليزي كوكس «في توظيف الشيعة في الدولة لاقينا عدة عقبات منها فتوى الخالصي التي حرمت دخولهم للدولة» يقول كوكس: حاولت الجلوس مع الفقيه الخالصي لاقناعه ان ذلك سيؤدي إلى خسارة كبيرة لأتباعه فلم استطع ان أحصل على لقاء حتى عرفت من شخص لي علاقة به ان الطريقة الوحيدة للظفر بالخالصي هو اثناء ذهابه للحرم. ذهبت انا والسيدجعفر ووقفنا معاً عند باب الصحن التي اعتاد الخالصي ان يدخل منها إلى الصحن لاداء الصلاة. ولما اقترب الخالصي ذهب له السيد جعفر فقال له: جناب الشيخ ان جناب المندوب السامي يحب السلام عليك، ولم يكد الخالصي يسمع باسم المندوب السامي حتى وضع عباءته على رأسه واسرع بدخول الصحن دون ان ينبس بكلمة (المصدر لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث لعلي الوردي ج6 ص44) يقول الوردي (ص43) وعندما فتحت ابواب الوظائف للعراقيين العام 1921 افتى الخالصي بحرمة الدخول فيها. كان موقف الخالصي ليس صائباً فقد زاد الشيعة تهميشاً على تهميشهم. ثقافة المقاطعة ليست لصالح أي أمة أي فصيل أي قوى. اليوم حفيد الخالصي يعيد ذات الدور. اقول خيراً فعل السنة في العراق عندما شاركوا في الانتخابات وعلى الشيعة هناك اشراك الجميع وفق معيار الكفاءة والعراق سينجح ان أصبح تعددياً فمن حق حتى الآشورى ان يصبح رئيس حكومة. ما طرحه الشيخ حميد المبارك في البحرين من خيار الدخول في القضاء وغيره اثبت فاعليته وهي نظرية صحيحة. اذاً المقاطعة اكلت الناس بصلا وها هي بعد سلسلة من المظاهرات وعشرات الخطب النارية والمؤتمرات والاعتصامات جاءت لتقول للناس: ساشارك. خطوة جريئة ولكن يجب ان نتعلم من دروس الماضي والتاريخ ان السياسي (الحمسان) لا يمكن ان يظفر بأمة جائعة فمن لا يقبل بنصف الخبز اليوم فغداً لن يحصل حتى على هذا النصف. الزمن والمصالح لاترحم أحداً والفرصة تمر مر السحاب وما ذهب بالأمس لا يعوض اليوم أكان مالاً أو عمراً
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1238 - الأربعاء 25 يناير 2006م الموافق 25 ذي الحجة 1426هـ