العدد 1238 - الأربعاء 25 يناير 2006م الموافق 25 ذي الحجة 1426هـ

لا تعبثوا بالمعارضة ولا تشوهوا تاريخها!

بينما تقف الزواحف السياسية على كتف المعارضة المترنحة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

هل تستطيع أن تفصل التاريخ، والفهم للتاريخ، عن مجريات هذا اليوم، وفهمك له؟، هذا بالتحديد ما لا تقبله السياسة وفنون التفاوض. في التفاوض لا تستطيع أن تقول: حسناً، علينا أن ننسى الماضي، ولنبدأ من جديد، إن القضية أكثر تعقيداً مما يعتقد البعض. نعود إلى التاريخ، إذ لكل طرف من الأطراف روايته الخاصة به، كل طرف يفهم الحوادث من منظور مختلف عن الآخر. التاريخ حضوره متشكل، وكذلك الأفكار في السياسة اليوم، متشكلة، متباينة. وحين تتعدد الروايات، تتعدد مستويات الفهم، وتتخالف الأجندة السياسية لأي فئة ما هي إلا فهمها للماضي وتطلعها للمستقبل على ضوء ما فهمته مما كان. عندما تهمل الحكومة رواية المعارضة البحرينية للتاريخ الوطني، وحين تتعصب لروايتها وحسب، وحينما توغل في تسخيف المعارضة وفهمها للحوادث والمواقف السياسية، وكلما تعاملت مع الواقع السياسي بروايتها التاريخية فقط. فهي ببساطة، تنسحب عن فلسفة التفاوض، ولا تراعي أياً من فنونه. الخطاب الإعلامي الحكومي لا ينتهي إلى هذا الحد وحسب، بل هو يبالغ في جرأته إلى «تزوير» تاريخ المعارضة كلما أتته فرصة مناسبة، إنه يتدخل في سرد القصة حتى تفاصيلها. يحاول أن يكون كاتباً رئيسياً في تاريخ المعارضة رغماً عنها. الخطاب الإعلامي الحكومي المباشر أو عبر الصحف ­مدفوعة الأجر­ دائماً ما يعمد إلى اللعب بالحوادث وتأويلاتها بلعبة التاريخ والماضي، وهنا بالتحديد تأتي سياقات الإعلام البحريني الحكومي حين ينتج نتائجه التاريخية على شاكلة «الموالاة للخارج»، أو«أيرنة المعارضة»، الخطير حقاً، هو أن لا تجد المعارضة البحرينية اليوم منبراً إعلامياً ينقل صوتها، وتزوير الصورة السياسية البحرينية عملية خطرة على الجميع، والمعارضة البحرينية تضطر بين الحين والآخر إلى اللجوء إلى إعلام الخارج، كالقنوات الفضائية والإذاعات الأجنبية لتشرح موقفها/ روايتها للتاريخ، لتعرف اليوم البحريني كما تعتقد هي وتفهم. نعود إلى محور حديثنا وهو رواية المعارضة وفهمها للشأن السياسي اليوم. قد نقسو على التجمع الرباعي وننعته بشتى النعوت السلبية، ولنا وللإعلام الحكومي في هذا تبرير، إلا أن مشروعية الإسقاط الكلي للمعارضة ومؤسساتها مرفوضة. استفادت الحكومة من «NDI» حين روج للمشاركة في التجربة البرلمانية، وكبلته حين أتى ليساعد «الوفاق» على تمدين مؤسساتها. والأكثر حساسية وخطورة هو خطاب التخوين، ثمة خط أحمر، ليست ولاءات الرموز السياسية والدينية في المعارضة البحرينية محل تشكيك أو نقد، وهي لا تكون موضع تشكيك إلا في روايات الإعلام الحكومي حين يتدخل في تاريخ المعارضة البحرينية ليضع حقائقه الملفقة. من السهل أن نسمح لهذه اللعبة بالاستمرار، وقد تزيد أرصدة بعض الإعلاميين ومؤسسات الصحافة من هذا الخيار، إلا أن أم كلثوم غنت ذات يوم لنا من أجمل أغانيها مقطعاً تقول فيه/«إنما للصبر... حدود..»، ونخاف أن ينتهي صبر المعارضة على تشويه تاريخها السياسي بأكمله، وحينها ستكون مضطرة لأن تعبث بالرواية الحكومية للتاريخ، وعندها تسقط الكثير من الأقنعة، المعارضة حين تتبنى خياراتها السياسية فهي تلجأ إلى فهمها للتاريخ وحوادثه، والحكومة مصرة على ما يبدو على أن تجعل التاريخ مقروءاً من جهة واحدة فقط، لذلك فالتفاوض بين الحكومة والمعارضة فاقد لحلقة اتصال رئيسية تعتبر على ما اعتقد محور الاختلافات والانشقاقات في الخريطة السياسية البحرينية في يومنا الحاضر. إن ما تشترطه الحكومة على المعارضة في أي حوار وطني هو قضايا متعلقة بالدرجة الأولى بالرواية التاريخية لكل منهما، وحين تتأزم الأمور يتكلس كل طرف من الأطراف بروايته للتاريخ، فتعود الحكومة إلى ميثاق العمل الوطني، وتعود المعارضة إلى تعهدات الحكومة بتفسير المعارضة لبنود الميثاق... وتعود بنا الأمور إلى عملية الفهم التي لا تنفك بالطبع عن أي من الحوادث السياسية التي سبقت ميثاق العمل الوطني بسنين طويلة. العملية التفاوضية المبتورة صيرت البعض من الجسم المعارض كافراً بالتجربة، وجعلت البعض الآخر يعيش حالاً من الترنح السياسي بين الإيمان والكفر، وأما العمل السياسي الحكومي فهو في مجمله متسربل بالتخوين للمعارضة في جميع القضايا الوطنية على اختلاف زوايا النظر إليها. المترنحون سياسياً لا يجدون أياً من الأسماء التاريخية في العمل السياسي المعارض، لذلك صعدت المتردية والنطيحة لتكون ما تكون بمؤسسات المعارضة وجمعياتها السياسية، وفي الحقيقة، إن كلاً من المتردية والنطيحة لا يمتلكان أي رواية تاريخية للماضي السياسي البحريني، هذه الفئة لا تمتلك فهماً سياسياً قاراً، قدر ما هي ممثلة ومقلدة بارعة للإعلام الخاص المتملق والصاعد بالدعم الحكومي المفضوح. ببساطة، كما أن للحكومة من يتسلق عليها للصعود والرقي، فكذلك هي المعارضة هذه الأيام، ثمة الكثير من الزواحف السياسية التي تتسلق أظهرها الشعبية. المعارضة تمر في أقسى طقوسها السياسية منذ أربعة أعوام، وتكاد زهرة الصبر تذبل، والجائعون لا يتركون لها منفساً لممارسة السياسة والتفاوض، ولا يحق لأحد أن يلوم الجائع على بكائه. بما في ذلك مؤسسات المعارضة التي كانت ومازالت سلبية في تعاملها مع ملفات العاطلين والجائعين. والحكومة من جانب آخر، تزداد يوما بعد يوم في تمترسها ضد الحوار والتفاوض. وعلى رغم أنها عجزت عن حل أي من المشكلات الوطنية خلال الفترة الماضية فهي مازالت تكابر في التعاون مع أحد. من زاوية إعلامية محضة، إن «المعارضة» تتعرض إلى الهتك السياسي، وهي في موقف لا تستحقه، وحضورها الواهي «محرقة» وطنية، ولا يمكن ان يكون للبحرين مشهد سياسي قوي ما بقيت المعارضة بهذه الحال. الذين يراهنون على نهاية المعارضة يعيشون مرحلة من التوهم والغباء السياسي، فروايات التاريخ لا تنتهي، وروايات المعارضة المحروقة إعلامياً، والفهم المعارض «المستتر»، إن لم يجد له متنفساً سياسياً حقيقياً، فإنه سينقلب للشارع. وعندها تكون روايات التاريخ أوضح... وأكثر حضوراً. حاوروهم تحاوروا، إن لم تعدل الحكومة من خياراتها في الحوار والتفاوض مع المعارضة، فإنا نخاف أن يأتي يوم تكون الأمور فيه في ميزان مقلوب، فتتحول المعارضة إلى روايتها وفهمها للتاريخ والمستقبل بتصلف وتكلس كالذي تعيشه الحكومة، وعندها لن تستمع المعارضة لأي تفاوض يتردد على مسامعها. المعارضة إن اتخذت خيار الحوار فهي ليست أداتها السياسية الوحيدة،، والحكومة لا يجب أن تفهم أن التهميش هو أداتها الوحيدة في التعامل مع المعارضة، ثمة خيارات أخرى متعددة للحوار والتفاوض، وليست قبة البرلمان وحدها مكان التفاوض الأوحد في أي تجربة سياسية ما التفاوض، فن لا يتعلق بزمان أو مكان، هو امتداد التاريخ وحقيقته وفهمه، هو امتداد متصل إلى اليوم بجميع اختلافاته وخلافاته، هو عملية من التواصل والتوافق والتنافر الذي لا ينتهي. استغرق الأميركي «ونيس روس» المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ورئيس الوفد المفاوض من قبل إدارتي جورج بوش وبل كلينتون في القضية الإسرائيلية الفلسطينية سنوات عدة في البحث في التاريخ العربي واليهودي قبل أن يباشر عمله، وحين سأله أحدهم عن السبب، أجاب انه يريد أن يعرف روايات الطرفين عن التاريخ، فالتفاوض من دون معرفة تاريخ المتفاوضين وفهمهم له واحترامه بدقة عملية لا علاقة لها بالتفاوض، قد تكون مجرد عملية «مضيعة وقت»،

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1238 - الأربعاء 25 يناير 2006م الموافق 25 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً