قد يكون هذا المقال تكملة لمقالات سابقة نشرت لي كل يوم خميس، لكي أوضح فيها للقراء إذا لم تكن بعض المقالات على درجة كافية من الوضوح أو أنها غامضة ولا تؤدي الغرض في عرض المشكلة المراد معالجتها أو نقدها. .. وتفسيري لذلك هو أن المسئول عن التحرير يقوم أحياناً بقطع أو تغيير بعض الجمل أو الفقرات لأمور خاصة بالتحرير وخطوط حمراء... ما قد يضعف المقال ويعطيني الشعور بالذنب وتأنيب الضمير للكيفية التي بات فيها المقال عائماً وغائماً، وقد يضعفه، وخصوصاً المقال الذي انتقدت فيه شركة طيران عريقة وكان نقدي لها بناءً على تجربة شخصية حدثت لي، وعلى رغم أنني كنت انتقدتها في السابق منذ عدة سنوات وسُمح بالاسم حينها، لكن يبدو أن الأحوال تتغير والخطوط الحمراء تتغير أيضاً من يوم إلى يوم وتزداد، ولكننا وصلنا إلى اتفاق «جنتلمان» بحيث لن يقوموا بالشطب أو التغيير إلا بعد الرجوع إلى سيادتي، وهذا هو خير اتفاق، ومع ذلك ومع حذف اسم الشركة (الطيران) أخبرني بعض الأصدقاء أنهم تعرفوا على تلك الشركة (على رغم محاولة تغطية اسمها) وكانوا فرحين جداً لذلك النقد، إذ كانوا عانوا منها كثيراً لما يصادفونه من مشاكسات في طريقة التعامل مع الحجوزات عندهم ونظراً إلى المعزة الخاصة لهذه الشركة بالذات، إذ إننا قد تعودنا عليها لسنوات طوال ولا نستغني عن خدماتها، وحبي لشخصية الموظفين البحرينيين الذين هم شديدو الأناقة في التعامل والتهذيب، أردت فقط أن أوجه ذلك النقد طمعاً في تحسينها ليس إلا... والله، وإذ أتعاطف بشدة مع السادة المسئولين عن الصحيفة وعن معاناتهم المادية التي لا تعتمد في مواردها على أي دعم حكومي، لأداء مثل هذه الرسالة السامية وخصوصاً مع كثرة صدور الصحف، باتت هنالك مشكلات جمّة تؤثر على حرية الكلمة وقوتها. إن حرية الكلمة تتأثر كثيراً بالمعاناة المادية... أنى لها بالإصلاح والكلمة الصادقة الحرة إذا وضعت في منافسة غير متكافئة مع الصحف الأخرى والتي يكون الدعم الحكومي أساسها؟ وكيف لها أن تنتقد الشركات والمؤسسات أو حتى الحكومة وهي ترى أنه بمجرد زعل أحدهم لسبب النقد حتى لو كان نقداً أساسه الإصلاح، قد تُقاطع الصحيفة وتُحرم ليس فقط من الإعلانات... ولكن حتى الخبر قد يُمنع عنها وقد يُغلق الباب في وجه صحافييها، إن خنق الكلمة وهي حرة بسبب هذا العجز المادي هو بالتأكيد قتل وخراب محتم لأية صحيفة. يا سبحان الله من معادلة... إنه في وقت حرية الكلمة يصعب طرحها لأسباب مختلفة... أهذه هي اللعبة؟ خذوا الحرية، ولكن هيهات لكم أن تستعملوها... فالشروط قاسية جداً... والحلبة مفتوحة للجميع، إن صغر حجم البلاد ومحدودية القراء... هذا وحده يكبل حرية الصحافة والكتابة عموماً، وتزداد الخطوط الحمراء يوماً بعد يوم... والأسباب مختلفة، وحينما نلبس عباءة الخطوط الحمراء تبدأ هشاشة الأخبار وتفقد صدقيتها وحريتها في التعبير. حينها يبدو أن من يريد الكتابة عليه أن يتعلمها في السيرك أولاً كي يتقن الحركة على نط الحبال وتجاوز الخطوط الحمراء لأداء رسالته، هكذا أضحت الكتابة في أيامنا والتي يقال عنها إنها في عصر الانفتاح، ولكن أي انفتاح يقصدون، وتكاد تكون معظم الموضوعات الحساسة يصعب البت فيها وملغومة؟ كما أن هنالك مشكلة أخرى وهي انتشار الكتاب المميزين على الصحف المتعددة، وبالتالي قلّت بركتها وأصبحت المادة الدسمة موزعة بعد أن كانت متمركزة وتأثيراتها كانت أكثر إيجابية، وبذلك يصعب على الناس شراء ذلك الكم الهائل من الصحف المحلية، كما توزعت الإعلانات وقلت بالتالي بركتها على جميع الصحف غير المدعومة... وإذا زدنا على ذلك أن الشباب مشغولون بالتلفزيون والإنترنت... ألغينا عدداً أكبر لا يكترث بالقراءة، فما الذي سيبقى إذاً؟، وكيف سنتحرر من الخطوط الحمراء الإجبارية لتتمكن الصحف من الاستمرارية؟ نحن نحتاج إلى معجزة حقيقية لذلك، أو أن يبدأ الأثرياء المثقفون في الانتباه لهذه الأزمة الحقيقية... بأن يساهموا في إسناد مثل هذه المشروعات الكتابية الثقافية مادياً ومن دون أية قيود أو شروط... كعمل إنساني لتحرير الكلمة ومساعدتها على الخروج من بين القضبان الحمراء، وبذلك تعلو قيمة الكلمة التي ستصدح في جوّ متكامل من الانطلاق والحرية ومساعدة البشرية على الارتقاء والصعود في النقد الإصلاحي، وكان الله في العون. * كاتبة بحريني
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1238 - الأربعاء 25 يناير 2006م الموافق 25 ذي الحجة 1426هـ