أعاد مجلس الأمن في بيانه الرئاسي الذي صدر قبل يومين تحريك الملفات اللبنانية/ الإقليمية في إطار خطة استكمال الضغط على الدولة ودفعها نحو التورط في مشكلات مزمنة أو أهلية يصعب حلها من دون توافق دولي/ إقليمي عليها. فالضغط هنا لا يساعد الدولة على الوقوف وانما يجرجرها إلى قضايا حادة لا تستطيع تحقيقها من دون ذاك التوافق المطلوب من الدول الكبرى رعايته حتى لا يدفع لبنان ثمن ضريبة أمن «إسرائيل». فمن غير المعقول ان يكون شرط ضمان استقرار الدولة العبرية زعزعة استقرار هذا البلد الصغير وتوريطه في مهمات كبيرة تتطلب تسوية إقليمية تعتمد على تنفيذ كل القرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن. البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن بالاجماع اعتمد سياسة انتقائية حين فصل القرار 1559 عن مجموع القرارات الدولية التي تنص على فقرات ترفض الدولة العبرية تطبيقها منذ 1948 أو 1967 أو .1973 فالقرار 1559 هو الأخير في حلقات تلك السلسلة الممتدة قرابة 60 عاماً وهو صدر بمناسبة لبنانية محددة (انتخابات رئاسة الجمهورية) وبنى عليها مجموعة فقرات لا تمت بصلة قريبة أو بعيدة بتلك التجاوزات الدستورية. القرار ظالم في أساسه لأنه تعدى المناسبة ليطرح مجموعة قضايا تتجاوز تلك الذرائع الدستورية بهدف جرجرة الدولة إلى معارك محلية تحطم بنيتها التحتية وتمزق شبكة علاقاتها الأهلية. وهذا ضرب من الجنون السياسي الذي لا يمكن التوافق عليه وطنياً في بلد تتعايش فيه أكثر من 17 طائفة موزعة على مناطق جغرافية. إلى ذلك يطلب القرار من الدولة ان تقتحم مخيمات فلسطينية موجودة في لبنان بسبب رفض «إسرائيل» عودتهم إلى بلادهم بناء على ما نص عليه القرار الدولي الرقم .194 هذه السياسة الانتقائية التي اختارها بيان مجلس الأمن الرئاسي تطرح أسئلة كثيرة تتعلق بالأهداف الحقيقية التي يراد من خلالها تحريك هذه الملفات الحساسة واستكمال الضغط على دولة عاجزة عن حل مشكلة الكهرباء مثلاً. فهل الهدف فعلاً سحب السلاح من الميليشات اللبنانية وغير اللبنانية ام يستهدف زعزعة اركان الدولة وتفكيك الكيان؟ مثل هذا السؤال مشروع في ظل اجواء دولية وإقليمية تميل إلى تسخين ملفات المنطقة وتنذر دولها بالمزيد من التدخلات الخارجية. وفي هذا المعنى ماذا تعني مطالبة البيان الرئاسي الدولة اللبنانية بتنفيذ مهمات أكبر منها في وقت تشير التحليلات إلى ان المنطقة مقبلة على مواجهة وليس تسوية. وفي هذه الحال كيف تستقيم المطالب الدولية حين تضغط على طرف ضعيف وتدفعه قسراً نحو حل مشكلات إقليمية مزمنة وغير مسئول عنها مقابل السكوت عن مسئولية «إسرائيل» وهي الطرف الوحيد في المنطقة الذي كان السبب في اثارة تلك المشكلات. فالنقاط المطلوب من لبنان حلها في اقصى سرعة ممكنة ليست بعيدة كثيراً عن تلك الملفات الساخنة المطلوب من الدولة العبرية المسارعة في حلها. هذا التعارض بين التوجهين يكشف تلك الزوايا الغامضة من موضوع إعادة الضغط على الدولة اللبنانية في مرحلة تتوعد الولايات المتحدة دول المنطقة بالمزيد من الحروب والكوارث. المسألة فعلاً تطرح علامات تعجب تتصل بذاك المعنى المقصود من صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن يتعلق بتقصير لبنان في تنفيذ ما تبقى من فقرات القرار بينما تهدد واشنطن القوى المعنية بهذا الجانب أو ذاك من تلك الملفات بالعقوبات والحصار وربما هجمات عسكرية. تطبيق القرار 1559 مسألة تتجاوز حدود لبنان لأن جوهر الملفات يمتد إقليمياً ليتصل بمجموع قضايا مضى على بعضها قرابة 40 أو 60 عاماً. وهذا التعقيد الإقليمي يعني عملياً ان المشكلات يجب أن تحل مع بعضها ودفعة واحدة. فالقرار المطلوب من لبنان تنفيذه يجب أن يأتي في إطار تسوية إقليمية كبرى تتناول مختلف مشكلات المنطقة. وعزل القرار عن الأسباب التي سببت به يعني ان الدول الكبرى تريد معالجة النتائج وترك المسببات التي كانت اصل تخليق كل المشكلات. عاد مجلس الأمن للضغط على لبنان في سياق التهديد بالتصعيد الأمني وليس في إطار تسوية إقليمية كبرى. وهذا الأمر يعطي ذريعة اضافية للقوى اللبنانية برفض الضغوط والاتفاق على موقف موحد بشأن القرار .155
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1238 - الأربعاء 25 يناير 2006م الموافق 25 ذي الحجة 1426هـ