هل ينجح الحوار النيابي اللبناني في منع الانزلاق نحو التصادم الأهلي؟ هذا هو الرهان على رغم أن المؤشرات تميل إلى ترجيح استمرار التوتر الأهلي بين المجموعات السياسية. وإذا نجحت الكتل البرلمانية في ضبط التوتر تحت سقف البيت المشترك تكون قد أنقذت البلد الصغير من الانفجار الكبير. المطلوب الآن ليس إنتاج تسوية سياسية سلمية دائمة. فهذا الأمر يبدو أنه بحاجة إلى شروط دولية وإقليمية وعربية غير متوافرة في الأمد المنظور. إلا أنه يمكن المراهنة على إمكان عقد تسوية مؤقتة تضمن وقف التدهور نحو مواجهة مفتوحة محلياً على احتمالات تدخل خارجي. فالخيار الآن بين السيئ والأسوأ نظراً إلى التعقيدات التي دخلت فيها شبكة العلاقات الأهلية وعدم توافق الأطراف المعنية على تعيين مصادر الخطر التي تهدد وحدة البلد واستقراره. هناك مخاوف مشتركة ولكنها ليست موحدة في تعيين الاتجاهات. فكل فريق يتخوف من جهة مختلفة عن الأخرى وهذا ما يزيد من صعوبات التوصل إلى تسوية محلية دائمة وواضحة الأهداف. وبسبب هذا الانقلاب في أولويات الفرقاء المحليين تظهر على السطح السياسي تلك الانفعالات والتشنجات. المطلوب من البرلمان العمل على تسوية محلية مؤقتة تضبط إيقاع التوتر الأهلي تحت سقف سياسي يمنع الانزلاق نحو التصادم. فالمشكلة الدائمة في البيت المشترك ليست جديدة وهي كانت ولاتزال وستستمر نظراً إلى غياب مفهوم موحد بين اللبنانيين على تحديد معالم الهوية الوطنية الجامعة. فكل طائفة لها تصورها الخاص وكل مذهب يقرأ صيغة التعايش من منظار مختلف. وبسبب التباس الهوية اللبنانية وتشرذمها على امتداد مساحات الطوائف والمذاهب والمناطق ضاعت الهوية الجامعة وتنوعت ألوانها. الآن يمر لبنان بظروف صعبة. فحزب الله لا يستطيع تسليم سلاحه، في وقت تشير كل التحليلات إلى وجود مخطط دولي مدعوم إسرائيلياً يهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة وتكرار ما يشبه ذاك السيناريو العراقي في أكثر من مكان. وهذا النوع من المخاوف المشروعة كاف لوحده لتبرير رفض تسليم أدوات الدفاع الذاتي في لحظة مصيرية تهدد المنطقة كلها. كذلك هناك مخاوف مضادة من قوى ما يسمى بتحالف 41 آذار (مارس) من وجود شبكات اغتيال تهدد رموزها وتدفع نحو زعزعة أركان الدولة وإغراق البلد في فراغ أمني يشجع القوى المعنية على الاستفادة منه لتكرار ما يشبه سيناريو 1976. هذه المخاوف يبدو أنها تقف وراء الشكوك المتبادلة بين الفريقين الأساسيين في لبنان. ويرجح أن تستمر تلك المخاوف نظراً إلى وجود قرار دولي يحمل الرقم 1559. فهذا القرار هو أصل البلاء، لأنه أعطى للدول الكبرى (وتحديداً الولايات المتحدة) شرعية دولية للتدخل في شئون لبنان ودفعه عنوة نحو مجال يعطل تعايشه واستقراره. فالقرار المذكور يشكل دعوة مكشوفة للحروب الأهلية ويطلب من دولة متنوعة المذاهب والطوائف القيام بمهمات كبيرة والانجراف نحو مجابهات لا تقوى عليها ولا تتحملها عسكرياً واقتصادياً. وهذا النوع من المهمات الإقليمية تعني عملياً فتح لبنان على حروب داخلية ومعارك لا تنتهي إلا بخرابه وتقويض أركانه وكيانه. المشكلة الجديدة إذاً بدأت منذ لحظة صدور هذا القرار/ الكارثة الذي استغل الخلاف على التمديد للرئاسة اللبنانية للانقضاض على البلد الصغير وتدويل أزمته وفتحها على أبواب حروب دائمة. وبما أن المشكلة المضافة بدأت من هذا القرار الدولي فلابد أن تتوصل التكتلات النيابية إلى حل يبدأ من الاتفاق على موقف وطني مشترك من القرار المذكور. وحتى لا يضيع أساس المشكلة المضافة في تفصيلات لا حصر لها لابد أن يناقش المجلس النيابي عدم جدوى هذا القرار الدولي، مفنداً لأعضاء مجلس الأمن سلبياته الكثيرة وانعكاساته التدميرية على تعايش البلد واستقراره. لابد إذاً من موقف نيابي وطني مشترك يوضح للدول الكبرى الملابسات الأهلية لقرار لم يأخذ موقع لبنان وظروفه في الاعتبار. كذلك لابد من موقف مشترك ينبه الدول الكبرى إلى خطورة استمرار الضغط على لبنان لتنفيذ قرار لا هدف له سوى زعزعة استقرار البلد وتحطيم دولته لمصلحة حماية أمن «إسرائيل» واستقرارها. هذا التفاهم النيابي ربما يفتقد إلى الكثير من الشروط الواقعية الآن، لكنه يبقى الخيار الأقل كلفة قياساً بالحلول الأخرى، وهي كلها سيئة وسلبية على مختلف المستويات.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1237 - الثلثاء 24 يناير 2006م الموافق 24 ذي الحجة 1426هـ