في خبر وزعته وكالة الأنباء الأردنية هذا الأسبوع قالت فيه إن الحكومة قررت إنشاء «ساحة الحرية» من أجل أن تكون «منبراً للتعبير الحر»، ولكي «توفر فضاء حيادياً للتعبير عن الرأي بأسلوب حضاري». والفكرة تتحدث عن شيء شبيه بركن المتحدثين في «هايد بارك» في العاصمة البريطانية، إذ يتجمع الناس كل يوم أحد ليقولوا ما يشاؤون. كذلك في لبنان الجامعة الأميركية، إذ يجتمع الطلاب كل أسبوع للحوار وتوجيه الانتقادات في الشأن العام، وكان وصل ذلك إلى ذروته في السبعينات من القرن الماضي. ونقلت الوكالة الأردنية الرسمية توقعات الإعلاميين والأكاديميين الذين نظروا بتفاؤل إلى الفكرة المقترحة «إلى توافر الجو المناسب لذلك في الأردن، مثل سقف الحرية المرتفع والديمقراطية وحق التعبير الذي يكفله الدستور وثقافة المواطن الواسعة ونسبة التعليم العالية والتجربة الحزبية الناجحة والاتحادات الطلابية الفاعلة». ونقلت الوكالة عن رئيس المجلس الأعلى للإعلام إبراهيم عز الدين قوله»: «إن الأردن كله ساحة حرية، بمعنى أن المواطن يستطيع التعبير عن رأيه بحرية وشفافية لإيصال وجهة نظره إلى الآخر بشرط ألا يتعدى على حرية الآخرين وهذا الأمر كفله الدستور الأردني بوضوح كامل، إلى جانب النظر إلى ساحة للحرية محددة بإطار جغرافي معين»... وان الفكرة تهدف إلى «خلق حال من الحوار بين الآراء المختلفة وتدريب الشباب على النقاش الحر وإفساح المجال لأصحاب الرأي ليتحدثوا عما يريدون في وقته وضمن إطار محدد وإعطاء فرصة للمواطنين للاستماع إلى آراء وأفكار جديدة بشأن قضاياهم». كما نقلت الوكالة عن أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة البتراء تيسير أبوعرجة، قوله: «إن هذه المبادرة تنسجم مع الاحترام للإنسان وخياراته الفكرية وتعتبر دليل صحة وعافية للمجتمع، لأن صمام الأمان لأي مجتمع هو حجم الحرية الذي يناله أفراده، وإن المواطن الأردني جدير بمثل هذه المبادرة ويتفهم الضوابط المطلوبة لنجاحها مثل الحرص على سلامة المسيرة وتعميق الوحدة الوطنية واحترام الرأي والرأي الآخر وكل ما يسهم في التنمية الشاملة التي نريدها لوطننا وفي مقدمتها التنمية السياسية». ليس من حقي أن أشكك في إمكان وجود «هايد بارك» داخل بلادنا العربية، ولكن من حقي أن أأمل وأن اطالب بتحقيق شيء من هذا القبيل. فنحن بحاجة إلى فضاء يفسح فيه المجال لمن لديه شيء ان يقوله أمام مجموعة من الناس، وان تتطارح الأفكار. ولكن مثل هذا الأمل قد يصطدم بواقع مغاير. ذلك لأن فكرة «هايد بارك» نجحت في لندن (وفي بلدان أخرى أيضاً) لأن هناك أجواء سياسية ناضجة ومتفاعلة بصورة متوازنة. وعليه، فإن تلك الحال تتحمل أن يقف شخص ما أمام جمهور من الناس ويقول ما يشاء، حتى لو كان في ذلك تعريضا بالذات الالهية أو الذات الملكية أو بما هو خط أحمر لدى الدولة. ولذلك، فإن فكرة ساحة الحرية في الأردن ستكون بادرة للتعرف على مدى امكانية تحمل منطقتنا مثل هذه النشاطات، ومدى نضوج الساحة السياسية، بحيث لا تتحول الساحة إلى «منطلق لتنظيم ثورة»، بقدر ما تكون مجالاً للتعبير الحر الذي يحتاج إلى أن ينطلق بعيداً عن البروتوكولات التي تمنع الإنسان من الحديث عما يدور في رأسه. على أن لدينا حالياً مواقع الكترونية تعرض ما تشاء من دون حدود، ولكن هذه المواقع ليست كالحديث المباشر من الشخص نفسه... الوضع يختلف كثيراً، ولربما مثل هذه الفكرة تكشف عن طاقات كامنة في الفهم والتحليل. ولكن كل ذلك يفترض أننا نستطيع أن نتحمل سماع الكلام اللاذع، وأن ننقل ما قاله هذا الشخص أو ذاك عن الموضوعات المختلفة. على انه حتى لو كانت هناك حدود مفروضة على ساحة الحوار، فانها خطوة تستحق الثناء، ولربما نجد لها مثيلا في البحرين أيضاً في يوم من الأيام.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1237 - الثلثاء 24 يناير 2006م الموافق 24 ذي الحجة 1426هـ