العارف بفنون الإعلام وطرق الكتابة الخبرية لابد أن طرقت اسماعه عبارات «الهرم المقلوب» و«الهرم المعتدل»، كنمطين مختلفين من فنون الكتابة، وفي حين أن «الهرم المقلوب» يعد شكلاً محبباً في علم الإعلام والصحافة، إلاّ أنه ليس أمراً محموداً في هيكلية بناء المجتمعات الإنسانية، والادهى من ذلك هو أن يقود استفحال هذه الظاهرة إلى نذير من شأنه أن يقوض كيان النظام الاجتماعي السوي. الفجوة الطبقية متعددة النشأة، لكن يمكن أن توصف إجمالاً بأنها عائدة إلى عامل سياسي أكثر منه أي أمر آخر. فحتى الفجوة الاقتصادية بين الطبقات سياسية النشأة والتكوين. والبيئة الاجتماعية البحرينية أفرزت تحت ضغط العامل السياسي حالات من تنامي الفجوة الطبقية في النظام الاجتماعي، سياسياً واقتصادياً. وخلال العقود الثلاثة الماضية تقلصت الطبقة الوسطى في المجتمع الى درجة كبيرة، وهي اليوم في انخفاض مستمر أيضاً، على رغم أن هذه الطبقة هي المعول عليها في البناء والتنمية والاستقرار السياسي، والنظام الاجتماعي السليم هو الذي تنمو فيه هذه الطبقة بصورة مطردة وطبيعية نتيجة لعدم وجود سياسة التمييز والاقصاء أولاً، واتباع خطط تنموية حقيقية وشفافة ثانياً. ويمكننا أن نلمس هذا النوع المتقدم من المجتمعات في دول آسيوية كثيرة مثل سنغافورة وتايلند وماليزيا أو ما تسمى الآن بـ «النمور الصفراء». ولاشك أن تقلص الطبقة الوسطى يعني ببساطة نتيجة واحدة وهي توسع رقعة الفقر، وهذا ما حدث في البحرين بالضبط، فعلامات الفقر شاهدة يبصرها كل منصف في هذا الوطن العزيز، فالفقراء يزدادون فقراً وتعاسة، والأثرياء أو لنقل «المستأثرون» يزدادون استئثاراً، وهم وحدهم الذين يستأثرون بالثروة، ومن لا يمت لهم بصلة لا يحظى إلا بالبؤس والشقاء، الخلل في النظام الاجتماعي دليل على خلل أكبر في مفاصل الحراك الاجتماعي، فكل منا يشاهد تجاوزات المتنفذين وانعدام العدالة في توزيع الثروة وضعف صلاحيات البرلمان في الرقابة والتشريع، وعدم وجود سلاسة في التنقل بين الطبقات. وعلى رغم سعي قلة من النواب إلى أثارة مسألة الثروة، لكنهم ووجهوا بتحذيرات قاسية لغلق هذا الملف الذي يحظر على الناس معرفة تفاصيله. وحتى التقارير الدولية المتخصصة مثل تقرير الراصد الاجتماعي 2005 المعني بمراقبة تطبيق الحكومات الوطنية للالتزامات الدولية، نوّه إلى أن البحرين «لم تتخذ بعد خطوات لمواجهة عدم التكافؤ في توزيع الدخل القومي على رغم تزايد ظاهرتي الفقر والبطالة، مشيراً إلى وجود فجوة الدخل بين عدد صغير من الأغنياء وعدد كبير من الفقراء». وأكد التقرير «أن مجموعة من المتنفذين يملكون الكثير من المؤسسات الكبرى التي تملكها مجموعات بعينها ما يؤثر على رفاهية المواطنين». ولست أذيع سراً إن قلت إن عدم السعي الرسمي الجاد إلى بحث ومعالجة تداعيات خلخلة النظام الاجتماعي سيفرز عقبات كثيرة ستحول دون رؤية مجتمع بحريني مستقر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على رغم أن هذا المطلب كان الدافع الرئيسي لتحرك «دينمو» الإصلاح بقيادة جلالة الملك، فالعدالة الاجتماعية هي رسالة الإصلاح في عنوانها الأكبر
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1236 - الإثنين 23 يناير 2006م الموافق 23 ذي الحجة 1426هـ