العدد 1236 - الإثنين 23 يناير 2006م الموافق 23 ذي الحجة 1426هـ

حوار أم انهيار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الدعوة إلى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب اللبناني قد تشكل مناسبة لبدء حوار بين الكتل البرلمانية. فهي المدخل الصحيح لإعادة إنتاج تسوية سياسية تمنع الانهيار الذي أخذ يمتد مهدداً تعايش الطوائف والمذاهب والمناطق. فالحوار يبقى هو الإطار المناسب لإنقاذ البلد الصغير من التفكك. فالبلد يتعرض لعواصف دولية وإقليمية تشكل في مجموعها العام منظومة محلية أقوى من قدرته الذاتية على التحمل. الحوار إذاً هو المدخل الصحيح وليس بالضرورة أن يتوصل فيه الفرقاء إلى صيغة نهائية للحل. فلبنان من البلدان الزئبقية في مزاجها السياسي. والسبب يعود إلى تكوينه الأهلي الذي يقوم على قاعدتي التنوع والتعايش. وهذا التنوع/ التعايش لا يحميه سوى التفاهم على ضرورة حماية البيت المشترك... وغير ذلك يعني الاستمرار في لغة الشحن والتحريض والاستقطاب وصولاً الى الانفجار. لبنان بحاجة الآن إلى حوار داخلي لإعادة التوازن الذي أصيب بخلل سياسي بعد اغتيال النائب الصحافي جبران تويني. فمنذ ذاك الحادث انقلبت الأمزجة وعادت إلى الساحة تلك اللغة النارية التي انكفأت نسبيّاً في فترة الانتخابات النيابية وأسهمت في تشكيل حكومة مشتركة برئاسة فؤاد السنيورة. حادث اغتيال تويني أعاد خلط الأوراق السياسية وزعزع تلك التوازنات التي ظهرت في التحالفات الانتخابية. وبسبب هذا الحادث عاد كل فريق إلى خطابه السابق متجاوزاً تلك اللغة التصالحية التي فرضتها ضرورات التسويات الانتخابية. هذا الاختلاط في أوراق اللعبة السياسية فرض شروطه من جديد فاتجه كل فريق إلى ملعبه لإعادة تأسيس تحالفات مختلفة تتجانس بحدود معينة مع مخاوفه. المسألة إذاً محكومة بعقدة المخاوف. والخوف عادة يولد الشكوك ويقطع جسور الثقة ويعطل تلك التفاهمات الزئبقية التي ارتسمت صورتها الغامضة في الانتخابات الأخيرة. والحوار المفترض حصوله بين الكتل البرلمانية في ضوء الدعوة إلى عقد دورة استثنائية لابد أن ينتج تسوية زئبقية جديدة ليست بالضرورة أن تكون متطابقة مع تلك التي نشأت في الانتخابات، ولكنها على الأقل تعيد صوغ التفاهمات الجزئية لمنع الانهيار الكلي للبيت/ الكيان اللبناني. هناك إذاً مخاوف متبادلة. حزب الله يتخوف من احتمال جر لبنان إلى محور دولي يستغل القرار 1559 لتمرير مشروع تجريده من السلاح في وقت يطل شبح الحرب على المنطقة. ولبنان في النهاية مهما حاول سلخ جلده هو جزء لا يتجزأ من المنطقة وما يصيبها يصيبه وما يصيبه يصيبها. قوى ما يسمى بتحالف 14 آذار (مارس) متخوفة من احتمال عودة سورية إلى لبنان من خلال فشل الأطراف المحلية في الاتفاق على صيغة يحكمون البلد من خلالها. وهذا القصور يعني ضمناً أن لبنان غير جاهز لتحمل مسئوليات النهوض بالدولة وهو بحاجة إلى طرف إقليمي لمساعدته على تدبير أموره. هذه المخاوف المتبادلة أنتجت تلك اللغة الاتهامية ودفعت بالفرقاء للعودة إلى الخطابات النارية التي سادت لبنان بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري. وبسبب اتجاه كل فريق إلى ناحيته الطائفية والمذهبية والمناطقية تزعزعت أسس التحالفات الزئبقية التي قامت بين الأطراف خلال فترة الانتخابات. عدم الثقة أوصل التحالفات الانتخابية إلى شفير الانهيار وأخذ كل فريق يناكف ويعاكس الآخر، وهذا ما ظهرت ملامحه بعد اغتيال تويني ومسارعة الحكومة إلى مطالبة مجلس الأمن بمحكمة ذات طابع دولي من دون توافق وطني (جامع) عليها. الآن كل القوى الفاعلة على الأرض اندفعت نحو سياسة الاستنفار الأهلي وهذا يعني أن الحرب الداخلية باتت قاب قوسين إذا لم تستدرك الكتل البرلمانية الأمر وتبدأ بحوار جدي ينقذ البيت المشترك من الانهيار العام. المناظرات النيابية قد لا تتوصل إلى حل نهائي. ففي لبنان الحلول دائماً مؤقتة وتعتمد على سياسات زئبقية تستقر في مكان وتضطرب في آخر. ولكن المناظرات ضمن جدران البرلمان تبقى الخيار الأعقل من الذهاب إلى ساحات القتال، وهي كثيرة في لبنان وكلها تمثل في مجموعها العام كارثة وطنية للبيت المشترك.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1236 - الإثنين 23 يناير 2006م الموافق 23 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً