من فتحت عيوننا على الدنيا واحنه نشوف الوجوه نفسها تتكرر في كل مكان تقريبا إلا ما رحم ربي... ومناسبة حديثي هذا هو أني كنت في حديث عابر مع أحد موظفي الحكومة والذي يصفه مديره بكثرة التذمر، وتحديداً في إحدى الادارات الخدماتية... وكفى... وإلا تعرض صاحب هذا الحديث الى التعنيف والانذار من جميع مسئوليه بشتى درجاتهم واتهامه بتهم عدة واحدة منها التصريح الى الصحافة بأسرار العمل ولربما الوزارة برمتها! نرجع الى سالفة صاحبنا... يقول إنه جالس على هذا الكرسي الى اليوم مدة تقارب الـ20 سنة متتالية... كل سنة تنطح السنة إللي بعدها يتسلم أوراقه من الموظف إللي قبله وتظل على مكتبه إسبوعاً أو أكثر بحسب المزاج ليختمها ويوقعها وتمر على الموظف إللي بعده وهكذا دواليك، واللهم لم يتغير في مدة السنوات العشرين السابقة التي ضيعها من عمره إلا انتقالهم من مبنى الى آخر فقط، لا تغيير يهدف الى التطوير ولا حتى محاولة الى التطوير، ولن نتكلم عن راتبه كيف هو متحجر ومحنط فهذا موضوع يشترك فيه الكثيرون من الموظفين سواء في القطاع العام أو إخوانهم في القطاع الخاص.
في غالبية الادارات الحكومية يندر أن يغير الموظف ولو على سبيل تجديد الدماء ويكتفون بالتدوير المقنن حتى تحتفظ اللوبيات في الاقسام بتركيبتها وبقوة شوكتها! كما هي الطريقة المثلى أيضا للهروب من توظيف العاطلين الجدد الداخلين في السوق والذين لربما هم أكفأ من الموجودين من حيث التحصيل العلمي والقابلية على التجديد والتطوير.
إننا لا نرى هذه النماذج تتكرر في القطاع الخاص بل هي مقتصرة أو أنها أصبحت سمة من سمات القطاع العام... لأن وببساطة رجل الاعمال في القطاع الخاص يحاول أن يشغل الموظف بالطاقة الاستيعابية القصوى بحيث يستفيد منه في فترة الدوام الرسمي وغير الدوام الرسمي أيضا، وباختصار يكون (حمار شغل) يمكنه أن يعمل ما يقوم به خمسة موظفين في القطاع الحكومي، ولا ينطبق هذا على الشركات والمؤسسات الصغيرة فقط، ولكن حتى على الشركات الكبيرة وخذ بابكو وبتلكو مثالا من حيث الخدمات وخذ وزارة الكهرباء والبلديات في القطاع الحكومي مثالاً مضاداً، فقارنهم مع بعض بدخولك مواقعهم وكيف أنك سترى عدد الموظفين المهول في الحكومة وكأنهم في حفلة أو في كرنفال، وكيف أنك لا تعرفه إن كان مراجعاً مثلك أو موظفاً يتوجب عليه أن يخدمك، لا من هيئة أو لبس ولا من استقبال أو احترام للمراجع والذي يتعامل معك وكأنك أنت المحتاج ويتوجب عليك أن تتحمل بل (غصبا عنك) أن تتحمل!
متى يا مسئولين (كبارية) سنرى اسم إحدى الوزارات مشارك أو يحاول التنافس مع الشركات في القطاع الخاص تنافسا حاميا في سبيل الحصول على الايزو ولو بعد حين، ولكن الظاهر للمراقب إن غالبية الوزارات لا تفكر حتى مجرد التفكير أصلا في نظام الجودة الذي يتوجب على الكل المضي قدما نحوه والذي هو يتطلب الوقت الكثير عليهم ولكن لا بأس بالبدء وحتى لو قيل «يوم شاب ودوه الكتاب»؟!
إضاءة
لا أراكم الله مكروها... فعندما تقتضي الحاجة الى زيارة احدى المقابر المنتشرة في البلد فإنك تلحظ جليا ذاك التقسيم الذي نستهجنه ونحاربه في المدن قد وصل الى المقابر أيضا... فليس غريبا ألبته أن ترى هذه مقبرة للشيعة وتلك للسنة، أو أن هذه مقبرة للسنة وبها جهة مخصصة للشيعة كما هو الحال في مقبرة المحرق مثلا، لا والاغرب أن حتى هذا التقسيم نفسه ينقسم الى أقسام... فترى العائلة الفلانية تدفن موتاها في هذه الجهة والعائلة العلانية تدفنهم في تلك الجهة والتي لا يحق لأحد أن يتجاوز أو يتعدى فيها على حدود الآخر!
رضينا بهذا الواقع وتعايشنا معه... وأملنا ألا نرى هذه التفرقة بعد الآن
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ