هذا العنوان كان عنوان برنامج حواري (ما وراء الأخبار) في قناة «الجزيرة» الفضائية، وكان هذا البرنامج مخصصاً للتعليق على شريط نائب زعيم القاعدة أيمن الظواهري، في آخر شريط له. وكانت الحلقة بمناسبة شريط الظواهري، إلاّ أن التعليقات كلها كانت عن العراق، وهل نجح الأميركان أم لا؟ في اعتقاد ضيوف الحلقة إن الأميركان لم ينجحوا بل هزموا، وان «المقاومة» هي التي نجحت، كان هذا الكلام يعود إلى عبدالباري عطوان صاحب صحيفة «القدس العربي» الصادرة في لندن، وكان عطوان يستند على أداء ودور الحكومة في العراق بقوله إن الذين أتوا على الدبابة الأميركية لم يستطيعوا قيادة العراق. ويدعم حجته بفقدان الكهرباء والماء والأمن، كأن كل هذه الخدمات كانت متوافرة للعراقيين في زمن صدام حسين. أحياناً يساور أحدنا الأسى وهو يستمع إلى تحليل وتعليقات عطوان، لأن ما يقوله يكشف نفسه للمشاهد والمتلقي، بأنه من «أهل الكهف»، وهو يكشف عن أميّته، ولا يعلم عن المرحلة شيئاً. ولا أريد أن أدافع عن الأميركان لأني أعرف أجندتهم، ولكني أتحسر على العراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة. وفي الحقيقة كان عطوان يتحدث عن هزيمة الأميركان للعراق قبل دخول الأميركان. وطبعاً حواراته بالإنجليزية وخصوصاً مع الـ (بي بي سي) تختلف عن حواراته العربية، تماماً مثلما كان عدي صدام حسين يصف مجيء الأميركان على انه «نزهة غير موفقة»، ولكننا رأينا ماذا حل بعدي وأخوته وأبيهم صدام حسين، وغيرهم من أزلام الحكم المخلوع. إن فقدان العراقيين للماء والكهرباء ليس علامة هزيمة الأميركان، فهم حققوا جزءًا كبيراً من مشروعهم في العراق، ومن السذاجة أن نقول إن الأميركيين أتوا إلى العراق فقط لأجل العراق، وإنهم في طريق العودة. فمن يعرف ألف باء التحليل السياسي وقراءة الأوضاع يعرف ان الأميركان لم يهزموا بعد، وما حصل في القاهرة لا يعني فشل الأميركان وانما يدل على قوتهم، فالذين قبلوا الحوار والجلوس مع الأميركان، هم بحكم المنطق قبلوا بالأميركان كطرف في المعادلة، لذلك فإن مسألة تحريض المتطرفين وتشجيعهم لا يخدم العراقيين. ونحن لا نستغرب مما يقول عطوان، ففي الوقت الذي كان يتحدث لـ «الجزيرة» كان الجيش العراقي يحتفل بعيده الخامس والثمانين، وقال وزير الدفاع في كلمة له أمام الجيش والحضور «إن الجيش العراقي ليس للقتل والضرب، ولا يتدخل في الصراعات السياسية بين الأحزاب». إننا في الحقيقة نعجب عند سماعنا هذا الكلام الإنشائي، وهذه الخطابات الذي يتقنها عطوان، ونحن نرى اليوم في العراق لأول مرة رئيساً منتخباً، وبرلمانيين منتخبين، وحكومة منتخبة، ولها معارضة سلمية. فلو قارنا يوم العراقيين الحالي مع يوم العراقيين الماضي، لوجدنا الفرق كبيراً جداً. فالعراقيون اليوم منفتحون على العالم الداخلي والخارجي، يسمعون كل شاردة وواردة في العالم، ويتصلون مع الخارج سواء عبر الانترنت أو الهاتف المحمول، كما أنهم ينتقدون حكومتهم وسياسييهم علناً من دون خوف أو وجل. ومن يعيش في العراق أصبح يعرف معنى الحرية وحرية التعبير عن الرأي. ومن أراد أن يعرف الحرية في العراق عليه أن يتابع الصحف والمجلات التي تصدر داخل العراق، والاطلاع على آراء الكتاب الذين يدافعون عن أرائهم، ويحترمون الرأي الآخر، ويساهمون في بناء السلم الأهلي في بلادهم. هذا فضلاً عن الحوارات التي تتحدث بمسئولية بين الكتل والجماعات والأطياف السياسية المختلفة، وبروح هادئة ومنفتحة وبناءة. ونحن رأينا حجم المظاهرات السلمية التي لا يتعرض لها أحدٌ بالقمع، وهذا هو الزمن الذي يمتعض منه عطوان. الآن، تقوم النساء بالمطالبة بحقوقهن في الدستور وعلى المستويات كافة، في حين كانت النساء يغتصبن في زمن النظام المستبد المهزوم. هذا عدا عن إن العراقيين تخلصوا من الحكم المركزي المفرط، وبنوا لأنفسهم نظاماً اتحادياً تقدمياً يحفظ حقوق جميع الطوائف والأقليات، أفليست تلك هي الديمقراطية؟ وما هي الديمقراطية في رأي عطوان الذي يستهتر بإرادة الشعب العراقي ويستهتر بالذين يريدون بناء دولتهم على أسس صحيحة والحفاظ على مصالحهم وتحسين مستوى معيشتهم. فلولا إرهاب الزرقاوي والظواهري لكان العراق يضرب به المثل ونموذجاً أفضل للمنطقة. وهنا نسأل عطوان: ما هي معايير النصر والهزيمة؟ وكيف يفهم الهزيمة؟ والسؤال الأهم هو: هل انتصر العراقيون أم لا؟ اعتقد انه مثلما تحرر العراقيون من الدكتاتورية والاستبداد، فهم في نهاية طريق التحرر من الإرهاب، والدليل تحدّيهم للإرهاب في يوم الانتخابات الذي عبروا فيه عن إرادتهم الحرة. * كاتب سوري كردي
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ