تضمن اتفاق باريس المُوقّع في أكتوبر/ تشرين الاول 2004 بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أن تقوم الترويكا الأوروبية في نهاية شهر يوليو / تموز 2005 أو بداية الشهر الذي يليه بتقديم مُقترحات جامعة وشاملة بشأن عقد اتفاق تعاون طويل الأمد بينها وبين إيران، على أن تكون الفترة التي تلي اتفاق باريس ولغاية تقديم المقترحات «مساحة هدنة» تلتزم خلالها إيران بوقف جميع الأنشطة النووية، وهو ما قامت به عملياً بعيد اتفاق سعد آباد في أكتوبر . 2005 وفي المقابل يلتزم الأوروبيون بتقديم المقترحات التي وعدوا بها. وبناء على اتفاق باريس والاجتماع الذي عُقِدَ في 25 يوليو الماضي بين الدول الثلاث بالإضافة إلى مُنسّق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافير سولانا وبين رئيس الوفد الإيراني المفاوض آنذاك الشيخ حسن روحاني بجنيف، قدّم الأوروبيون مُقترحاتهم تلك في الخامس من أغسطس/آب الماضي في 34 صفحة، احتوت على الكثير من الملاحظات السياسية والأمنية والتكنولوجية، وما يتعلق بالمصالح الخاصة. وعلى رغم ان المقترحات تضمنت إشارات جيدة فيما يتعلق بدعم الاستثمار وانتقال التكنولوجيا مع (وفي) إيران ومساعدتها فنياً في إنشاء وإقامة التنظيمات والمؤسسات الضرورية في اقتصادها، وتدعيم أوامر التعاون في مجالات النقل الجوي والطرق الحديد والبحرية والتنبؤ بالزلازل والبنى التحتية والزراعة والصناعات الغذائية والسياحة، إلاّ أنها أيضاً شكّلت إطاراً واضحاً لجملة من القيود والمحظورات دفعت الإيرانيين إلى رفضها، ليبدأ فصل جديد من المواجهة الدبلوماسية بينهم وبين الغرب.
المقترحات الأوروبية
استهلت المقترحات الأوروبية عبارة تؤكد أن الاتحاد الأوروبي (بمعية الدول الثلاث) يضع في اعتباره المادة الرابعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وحقوق الاستفادة من الطاقة النووية لأغراض وأهداف سلمية. وهي مقدمة يبدو أن الطرفين متفقان عليها كقاعدة عامة للتعاون والتفاوض، إلاّ أن الإشكال كان بشأن النواحي الأمنية التي قُدمت لإيران في 6 ابريل/ نيسان من العام 1995 والقرار 984 للعام نفسه، والصادر عن مجلس الأمن الدولي، وموضوع البرامج النووية ذاتها: (1) أشارت المبادئ العامة لبند التأييد طويل الأجل للبرامج غير العسكرية إلى أن الدول الأوروبية الثلاث تُؤيد إنتاج القدرة النووية غير العسكرية التي (تتفق) واحتياجات الطاقة الإيرانية، وهو ما يعني إخراج العامل النووي من العملية الاقتصادية وما قد يُحققه ذلك من مكاسب مهمّة للاقتصاد الإيراني المعتمد على نواحي محددة في الإنتاج كالنفط والغاز والمعادن والسجاد اليدوي، وخصوصاً أن ذلك الإنتاج قد ربط وصول إيران إلى السوق الدولية للطاقة النووية وفقاً للاقتراحات والمبادئ الخاصة بالمنافسة الحرة من دون أن تشير تلك المقترحات إلى سلسلة الإجراءات التي شرّعها الكونغرس الأميركي فيما يتعلق بالحصار الاقتصادي منذ بداية الثورة ولغاية اتفاق داماتو المُقّر في العام 1996 والمُجّدَّد له في العام 2001 لمدة 5 سنوات أخرى. (2) أشارت المقترحات إلى أن الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي يؤيدون مسألة التعاون في مجالات «الايزوتوب» ووضع وتركيب المواصفات النووية والأمنية، وبالتالي فإن المنشآت النووية الإيرانية ومُخرجاتها من الطاقة ستصبح مرهونة لرقابة أوروبية صارمة ستحد من أي عمليات تطوير مستقبلية، واعتبار مخالفة ذلك انتهاكاً للاتفاق المبرم بين الطرفين، وإذا ما نظرنا إلى ما وصل إليه الإيرانيون من درجة متقدمة في التكنولوجيا النووية سواء في مجالات الأبحاث والدراسات أو دورات الوقود أو مراكز المياه الثقيلة وأجهزة الطرد المركزي فإن ذلك يعني تقديمهم تنازلات علمية هائلة، وتخليهم عن جزء كبير من مشروع نووي طموح عمدوا على تشييده منذ منتصف الثمانينات بعد بناء مركز الإيزوتوب الليزري ومفاعل الماء الثقيل. إن التدخل في وضع المحددات الفنية النووية سيجعل من دي أكسيد اليورانيوم التي اشترته إيران من الأرجنتين، واتفاقها مع الصين في العام 1991 لإنشاء لجنة علمية صناعية وتكنولوجية من أجل حماية الأمن القومي بهدف بناء مفاعل بحثي بقدرة 27 كيلووات وتزويدها بجهاز إلكترومغناطيسي لفصل الإيزوتوب، وما حصلت عليه من مجموعة شركات آدولفوجارسيا رودريجوئيز سيجعل كل ذلك منوطاً بسلسلة اتفاقات جديدة ستحد من حركة طهران في مجال التكنولوجيا النووية، وبالتالي خسارتها اقتصادياً والإضرار بمكانتها على المستوى الإقليمي ومعادلة الصراع المنطقة. (3) ألزمت المقترحات الأوروبية إيران بعدم استئناف الأنشطة الخاصة بدورة الوقود النووي، وأن تُقدم تعهداً لازم التنفيذ في مجال عدم الانسحاب من اتفاق منع انتشار الأسلحة النووية، وتوفير الوقود من الخارج وإعادة جميع مخلفاته إلى المُوَرّد الأصلي، وإذا ما قبلت إيران بهذا البند فيعني أنها مُلزَمة بأمرين، الأول وقف دورة الوقود النووي الذي أقرها اتفاق سعد آباد والذي يُعتبر من مكاسب الاتفاق ومكاسب الجهود العلمية الإيرانية والثاني هو الارتهان إلى الخارج فيما يتعلق بالحصول على اليورانيوم، الأمر الذي يعني إيقاف أنشطة التخصيب الذي يقوم بها علماء محليون وعدم الاستفادة من مناجم اليوارنيوم المكتشفة في محافظة يزد والعودة إلى المعادلة القديمة بينهم وبين الروس والقاضية بحصول إيران على الوقود الذري النشط مقابل إعادة الوقود المستنفذ إلى روسيا. (4) نصّت المقترحات الأوروبية على أن الدول الثلاث والاتحاد الأوروبي تتعاون مع إيران بهدف تكوين مجموعة من الكوادر بهدف التعرف على الإيجابيات المختلفة الناتجة عن عملية التجهيزات وتوافر المنشآت والمواد، كما تضطلع المجموعة بعملية توظيف العلماء والفنيين والعُمال في المنشآت والتجهيزات النووية الإيرانية، وهو ما يعني الوصاية التامة على أي نشاط نووي إيراني والدراية بأدق التفاصيل التي تتمنع طهران وإلى الآن الإفصاح عنها، وخصوصاً ما بالعلماء والخبراء في مجال الطاقة النووية والتي يُقال أن إيران تُحيطهم بعناية أمنية واستخباراتية معقدة بعد أن تسربت أنباء عن نية الموساد الإسرائيلي اغتيال اثني عشر من كبار علماء الذرة الإيرانيين. إن هذا البند لا يجعل مجالاً للشك عن نية الأوروبيين في كشف أدق التفاصيل في البرنامج النووي الإيراني وهو ما ينطوي على دفوع استخباراتية خطيرة، وهي النية التي تعاظمت بعد اكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأكثر من ثمانين جهازاً للطرد المركزي بتكنولوجيا جديدة في منشآت نطنز وأراك وإصفهان. * كاتب بحري
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ