لعلها أحرج الزوايا، إذ نحاول سبر العلاقة السياسية بين هذا الثلاثي الخطر (الولايات المتحدة، جمعية الوفاق، جمعية وعد). هل نبالغ حين نجعل من جمعيتين سياسيتين بحرينيتين قبالة «إمبراطورية عالمية»؟. نعم. وهل هي قراءة خطرة حد الاختناق، أن يتوجس القارئ المحسوب على أية نتيجة متسرعة يطلقها هذا المقال؟ أيضاً، نعم. إلا أننا سنجعل النتائج أكثر «قابلية» للتقويض أو الإثبات، ولنا في ذلك مأمن من شتى الأطراف وتأويلاتهم المتوقعة. أولاً: لابد للمعارضة البحرينية أن تدرك أنه ليس ثمة عاصمة سياسية للمعارضة البحرينية، فالعاصمة التاريخية «لندن»، أخذ دورها في الانحسار والضعف، وليس اللورد إيفنبري اليوم سوى دلالة بسيطة عن اهتمام شخصي، كما أن البحرين اليوم هي تحت الرعاية الأميركية المباشرة، ولم يعد للحكومة البريطانية أي حضور سياسي أو إعلامي في البحرين. ثانياً: إن صورة هذا التحالف الوهمي تتسم بمقدرتها على خيانة المشاهد، فالتكوين «الديني» للوفاق، والتكوين «اليساري» لوعد، عائقان رئيسيان أمام تمام هذا التحالف. وفي الحقيقة إن مخاوف الدولة أو ادعاءاتها المتواصلة وشكواها المستمرة من لجوء المعارضة للخارج هو «محض افتراء»، فما يسمعه هؤلاء المعارضون في السفارة الأميركية، وهو مطابق لما تقترحه أو تقوله أو تخرج به أروقة الدولة، الفارق الوحيد أن الدولة لا تريد أن تسمع لهم، بينما تفتح السفارة الأميركية أبوابها للجميع، ولم تقطع الحوار يوماً ما، ثالثاً: لابد للمعارضة أن تتفهم أن الحكومة البحرينية لن تقدم على أي إصلاح سياسي جديد وخصوصاً فيما يتعلق بالمسألة الدستورية من دون موافقة وضمانة أميركية في النهاية، وفي الوقت نفسه فإن الأميركيين لن يسمعوا من الوفاق ووعد سوى ما يريدون سماعه. ويبقى الحل النموذجي لهذا الإشكال متمثلاً في الإعلام، فكما أن المعارضة البحرينية استطاعت أن تصنع في التسعينات رأياً عاماً بريطانياً داعماً لها عبر الحوارات والتفاعلات مع المؤسسات الحقوقية والسياسية البريطانية، فإن المعارضة اليوم مطالبة أن توجه قنوات إعلامها تجاه المؤسسات السياسية والحقوقية والاجتماعية الأميركية، وهذا ما أفضل أن أطلق عليه خيار «استدراج الخارج» إلى الداخل عوض الإستقواء المباشر بالخارج، وهذا ما يحتاج إلى نظام إعلامي متطور وفاعل داخل الجمعيات السياسية المعارضة. على أن مجمل هذه التحالف «المزعوم» هو مجرد فرض/توقع/ نقد، تتعدد زوايا الرؤية، وتختلف النتائج. هذا بالاعتماد على أفق يتصف بالقصر والمحدودية، على أن بعض النتائج السريعة تكون مذهلة للبعض، وخصوصاً إذا ما كانت السياسة الخارجية الأميركية مهووسة بالتسارع السياسي، ولنا في ذلك حكمة، للحكومة أن تخشى أي توجه من المعارضة تجاه واشنطن ومؤسساتها المدنية، فالخريطة السياسية البحرينية لم تشهد سابقاً تأثيراً سياسياً من هذا القبيل. إلا أن ما يجعل الحكومة تحس بالاطمئنان النسبي، هو أن أميركا مازالت تمثل «الشيطان الأكبر» في النسق السياسي البحريني، ولا فرق بين يساري أو قومي أو إسلامي في الوصول لهذه النتيجة. المعارضة من جهة أخرى، ستعرف هذه الحقيقة عاجلاً أو آجلا، فكلما زادت البيئة السياسية «تعفناً»، وكلما بالغت الحكومة في رفضها للحوار والمصالحة، وطالما الشارع يشتعل يوماً بعد يوم، فإن فرص ظهور هذا الخيار تبقى قوية، أو قائمة على أقل تقدير
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ