كشفت بعض المصادر الخبرية الخاصة قبل أكثر من عامين، عن وجود أربع «مافيات» تعمل في مجال التجارة البشرية «غير النظيفة»، ولكني لم اكتشف بعض أبعاد هذه التجارة إلاّ بقراءة خبر إلقاء القبض على فتاة روسية قبل أيام. الشقية لم تُعتقل بتهمة العمل في نشاط غير مشروع، وانما بسبب جواز مزوّر، والواقعة تكشف عموماً أننا قطعنا شوطاً طويلاً على طريق «تنويع» مصادر الدخل القومي وتدعيم الاقتصاد الوطني، الخبر يتحدّث عن «متعهّد» روسي أغبر يقوم بتوريد فتيات من بقايا جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، إلى منطقة «الكنوز» على وعد العودة إلى بيوتهن بعد 3 أشهر وهن «ملكات». الروسية بعد وقوعها في قبضة «العدالة» بسبب الجواز، حكم عليها بالسجن 5 أشهر، ثم خفّفت العقوبة إلى شهرين فقط، الجانب الأهم هو الأرقام التي وردت في الخبر، فالفتاة دفعت للروسي مبلغ 21 ألف دينار خلال شهرين فقط، ووفّرت أكثر من ضعف ذلك، 52 ألف دينار (قيمة قطعة أرض،)، كل ذلك حصيلة لقاءات ليلية مع الزبائن في شقق مفروشة عامرة بالخيرات، إذ تتراوح أسعار الليلة بين 500 و800 دينار، (أي رواتب ما بين 3 إلى 5 عمال بحرينيين،). للوهلة الأولى كنت متشككاً في هذه الأرباح «الخيالية»، ولكن عندما دقّقت في «الأسعار»، اكتشفت أنها معقولة جداً، بما يثبت ازدهار هذا القطاع وتهديده للقطاعات الاستثمارية الأخرى، فحتى العقار لا يجاريه، وبالتالي لا تستغربوا أن يشهد هذا «البزنس» طفرات كبيرةً في المستقبل القريب إذا اكتشف البعض مزاياه وعائده المرتفع السريع، فإذا أخذنا معدل الدخل الليلي 650 ديناراً كمتوسط، سيكون الدخل الشهري نحو 2000 دينار، فتحتاج «الشغيلة المناضلة» إلى «جهد» ليلتين إضافيتين فقط لتدفع «مستحقات» المتكفّل الروسي، وما زاد على ذلك فهو ربحٌ صاف وحلال للإماء والجواري، المدهش حقاً ان الفتاة (بطلة الخبر) حقّقت أرباحاً أكبر من ذلك، إذ تمكنت من جمع مبلغ 52 ألف دينار في أقل من شهرين، وهو ما يدل على ازدهار هذه التجارة «الدولية» وترسّخ البنية التحتية التي أقيمت في صمت وتؤدة، بعيداً عن أعين الرقباء. «الأمَة» الروسية قالت إن «المتعهد الروسي» ظلّ في البحرين بعد اعتقالها، بمعيّة صديق بحريني، وهما يتعاملان منذ سنتين في تجارة الرقيق الأبيض، بالتعاون مع شخص آخر في دبي. ولعل القارئ سيتساءل عن أعداد هؤلاء الوكلاء «التجاريين»، ومن الذي يعطيهم تصريحات العمل، ويسهّل لهم ولمئات أو ربما آلاف الجواري إجراءات الإقامة، أم انها تجري بعيداً عن الرقابة الأمنية التي لا يهمّها غير مراقبة النشطاء السياسيين والحقوقيين، وجمع ما يكتبه الصحافيون في ملفات، هذه الواقعة تكشف للرأي العام أحد أسرار اللعبة، التي كان من أبطالها بعض المحسوبين على الجسم الصحافي، حين شهروا أقلامهم في الدفاع المستميت عن مافيات الفساد باسم «الليبرالية» و«الحرية الشخصية»، وأخذوا يندبون حظّ السياحة المظلومة المهضومة التي تهدّدها الدهماء، هؤلاء الذين جعلوا الناس تكره اسم «الليبرالية»، لم يذرفوا دمعةً «ليبرالية» واحدةً طوال 20 أو 30 عاماً، على المظالم الاجتماعية والاقتصادية، وواقع التمييز والاستئثار بالمال العام، التي هي أسّ البلاء في أغلب مآسينا الوطنية، ولكنهم في الشهور الأخيرة حوّلوا أعمدتهم إلى مراث وبكائيات، ينوحون فيها على البحرين، ويندبون حظ الشعب المقبل على الأهوال بعد تداول مصطلح «السياحة النظيفة» على ألسنة الكثير من الناس. الواقعة تستدعي أيضاً تذكير السادة النواب الذين حاولوا إرهاب الصحافيين، عبر التلويح بقوانين متخلفة من العصور الوسطى، تودي بالكتّاب إلى غيابة السجن. وبدل أن يقوموا بدورهم الرقابي والتشريعي، أخذوا يفلسفون لنا نظرية القمع الجديد (نقد أم إهانة)، لمحاربة أي نقد أو تقييم لأداء البرلمان المتعثر المشلول. فإذا كان لديكم همّة و«مرجلة»، فـ «حلّوا عنا» يرحمكم الله... وانتبهوا إلى مافيات الفساد.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ