في الوقت الذي تضغط الولايات المتحدة ودول الترويكا الأوروبية على إيران لمنعها من استكمال مشروعها الخاص بإنتاج الطاقة السلمية تصدر تصريحات من أعلى سلطة فرنسية تشير إلى استعدادها لاستخدام القوة النووية ضد دول وجماعات. هذا التناقض في المواقف الدولية هو وجه من وجوه النفاق الذي يتمظهر في الكثير من السياسات التي تقودها أميركا والدول الكبرى. والتناقض المذكور يتمثل سياسياً على أكثر من صعيد. مثلاً غير مسموح لإيران أن تنوع مصادر الطاقة لضمان مستقبل اقتصادها وغير ممنوع على «إسرائيل» أن تكدس ترسانة نووية قد تستخدمها في أعمال حربية. ومثلاً لا يحق لإيران أن تستكمل مشروعها السلمي بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويحق لـ «إسرائيل» أن تمنع الوكالة من زيارة برنامجها النووي الحربي. والأدهى من ذلك أنه لا يحق للدول العربية والمسلمة أن تربط بين حقها في تطوير دفاعاتها وبين السلاح النووي الإسرائيلي. وكذلك لا يحق للدول العربية والمسلمة أن تشترط وقف إيران إنتاج الطاقة مقابل وقف «إسرائيل» إنتاج السلاح. الدول الكبرى ترفض حتى فكرة المساواة وتعتبر أن إبقاء منطقة «الشرق الأوسط» خالية من السلاح النووي لا يشمل «إسرائيل». وترى أيضاً أنه من حق الدولة العبرية أن تخاف وهي تملك عشرات الرؤوس النووية ولا يحق للدول العربية أن تخاف وهي لا تملك حتى النية في إنتاج مثل هذه الأسلحة التدميرية. هذا النفاق يفسر إلى حد كبير بعض ما أراد الرئيس الفرنسي جاك شيراك قوله حين هدد باستخدام القوة النووية في حال تعرضت مصالح دولته إلى خطر إرهابي في هذه المنطقة أو تلك. كلام شيراك ليس الأول من نوعه. فقبل أكثر من سنة أطلق الجنرال الأميركي جون أبوزيد تصريحات مشابهة في مؤتمر صحافي عقده في قاعدة عسكرية في قطر. وكان كلام الجنرال الأميركي أوضح من كلام الرئيس الفرنسي عندما حدد الهدف من تصريحاته. فهو ذكر إيران بالاسم وقال رداً على خطاب سابق ألقاه وزير الدفاع علي شمخاني مذكراً إيران إن الولايات المتحدة دولة نووية لا تسمح لأحد بأن يهزمها. شيراك لم يذكر إيران بالاسم إلا أن معظم تحليلات الصحف الفرنسية للخطاب أشارت إلى أن الطرف الرئيسي المقصود هو إيران. والسؤال: ما مناسبة إطلاق مثل هذه التصريحات سواء قبل سنة من جانب جنرال أميركي أو قبل يومين من جانب رئيس فرنسي؟ هناك ترجيحات مختلفة وليس بالضرورة أن تكون متطابقة في الاتجاه العام. أولاً ربما أطلقت التصريحات للتخويف بهدف الردع النفسي وارباك الأطراف المعنية ومنعها من الاستمرار في سياسة الاعتراض على استراتيجية التقويض التي تقودها الولايات المتحدة. ثانياً ربما جاءت للضغط السياسي على روسيا والصين وبعض دول مجلس الأمن بقصد جرها إلى اتخاذ موقف مؤيد لخطة تدويل الملف الإيراني وإعطاء ذريعة للولايات المتحدة بالتدخل المباشر في تعطيل مشروع استكمال إنتاج الطاقة السلمية. وهناك احتمال ثالث وهو الأخطر يشير إلى وجود نوع من المخاوف (أو المعلومات) الأوروبية والأميركية من احتمال تعرض مصالحها في الداخل والخارج لضربات معينة (عسكرية أو إرهابية) وبالتالي فهي سارعت إلى تعيين الهدف وتحديد العنوان مسبقاً لتبرير أي رد مقرر سلفاً. خطورة تصريح شيراك أنه جاء بعد يوم واحد من عرض شريط منسوب لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن هدد فيه بتوجيه ضربات إذا لم توافق الولايات المتحدة على هدنة طويلة. أميركا رفضت عرض الهدنة وأكدت أنها مستمرة في مشروعها حتى توقع الهزيمة بالإرهاب. بينما فرنسا ردت من باب أوسع معتبرة أن الردع سيكون نووياً وسيطاول الدول التي تقع في دائرة الخصوم أو الاعداء. التصعيد إذاً وصل إلى نقطة خطيرة وكسر كل الخطوط الحمر وبات العالم الإسلامي أسير دائرة الحرب الشاملة التي لا تستبعد استخدام السلاح النووي. وحين تصل الأمور إلى هذه الدرجات من اللامسئولية والتهور السياسي فمعنى ذلك أن العالم على كف عفريت، وينتظر رد بن لادن... حتى ترد فرنسا والولايات المتحدة. هذه هي نتيجة النفاق السياسي. والأشر من النفاق تلك التصريحات التي تهدد المنطقة بالدمار الشامل بذريعة الحرص على السلام والأمن والديمقراطية والإصلاح وحقوق الإنسان
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ