المعهد الوطني الديمقراطي (NDI) عنوان عام لعدة قضايا متداخلة. .. فهو بالنسبة إلى من أسسه في الولايات المتحدة الأميركية وسيلة لنشر مفاهيم الديمقراطية عبر الوسائل القانونية في البلدان التي تفسح المجال لنشاطه. والمعهد الأميركي بدأ عمله في البحرين في 2002 ونشط في أوساط المجتمع المدني من خلال رخصة خاصة من الديوان الملكي، وأصبح المدير المقيم في البحرين فوزي جوليد وجها مألوفا في الندوات وورش العمل المهمة التي نظمها وأدارها خلال السنوات الأربع الماضية. المعهد ساهم في تقريب وجهات النظر بين الجمعيات السياسية، وساعد الناشطين المقربين من الحكومة والمقربين من المعارضة على حد سواء، وعقد أول «قمة» من نوعها للجمعيات السياسية، وساهم في تحريك الأجندة من خلال القانون المعمول به ومن خلال دستور مملكة البحرين. كما نظم دورات للنواب والشوريين والبلديين والناشطين، وأرسل عدداً منهم إلى الخارج بهدف تلاقح الأفكار. لا مشكلة في كل ذلك، حتى تأسيس «معهد البحرين للتنمية السياسية» العام الماضي... ومن حينها بدأت المضايقات على المعهد، وصلت إلى توكيل محامين لمعرفة كيفية التعامل مع الشروط القاسية التي بدأ يفرضها معهد التنمية عليه. ومن تلك الشروط: عدم التصريح للصحافة، عدم مساعدة أي جهة من دون رخصة مسبقة، المنع عن مراقبة انتخابات «الوفاق»، والمنع عن مساعدة جمعيات المعارضة من اكتساب خبرات تنظيمية للعمل الحزبي السلمي العلني، والتأشير بالمنع عن مراقبة الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة، وإلغاء اتفاق بين الطرفين كان سيفسح المجال لعمل NDI لفترة 6 أشهر مقبلة (بدءاً من الشهر الماضي) حتى يتم الاتفاق النهائي بين الطرفين. معهد الـ NDI كان قد قرر توظيف خبير ثان ليقيم في البحرين بهدف تطوير القدرات التنظيمية للجمعيات السياسية، ولكن هذا القرار سيتعطل أيضاً على ما يبدو... وقد وصلت رسائل «غير مباشرة» عبر بعض القنوات الصحافية تمهد لإغلاق الـ NDI لأن المستفيد منه ستكون المعارضة. اللغة التصعيدية ضد الـ NDI تذكر بما تعرض له «مركز ابن خلدون» في مصر، عندما استخدمت السلطة شتى أنواع الحجج والتبريرات للحد من نشاطاته، وذلك عندما «تجرأ» المركز ودخل في بعض النشاطات التي كانت ستؤثر على مسار العمل السياسي. وقد كانت هناك تحذيرات وانذارات مبكرة بأن مثل هذا الأمر سيحدث إما عاجلاً، أو آجلا، وان الخيار أمام مؤسسات من هذا النوع اما أن تتحول إلى هيئات محنطة للدعاية، أو أنها ستغلق. ليس من المناسب لسمعة البحرين عدم التعامل بالاحسان مع مؤسسة قدمت خدمات طوعية لمختلف الجهات، وليس من الحكمة التعامل مع مدير المعهد بالأسلوب الحالي... فهو ضيف في البحرين، وإذا كان «معهد التنمية السياسية» لا يريد بقاء هذه المؤسسة في البحرين، فالأولى أن يكون ذلك بأسلوب صريح وشفاف، من خلال إصدار بيان رسمي يوضح الأسباب من دون لف أو دوران، ومن دون التعلل بالذرائع التي ملّت منها مجتمعاتنا في الشرق الأوسط. فالسيادة الوطنية ليست في ضرر من وجود معهد ينشط ضمن القانون، والأعذار المطروحة انما تشير الى «ارتعاب» من «تفعيل» مفاهيم وشعارات ترددها مختلف الأطراف، التي يبدو أن بعضها كان يفضل بقاءها على الرفوف من أجل الدعاية والإعلان فقط
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ