في الأسبوع الماضي، اجتمع في حديقة البيت الأبيض أقطاب عشر شركات لصناعة السيارات من الدول الصناعية مع المجموعات البيئية ورجال السياسة التنفيذيين في الحكومة الأميركية لمناقشة سياسة خضراء جديدة للولايات المتحدة. هذه المجموعة تُعتبر غير متجانسة من ناحية الأهداف والرؤى بل تتضاد مصالحها، فعلى سبيل المثال فإن لصناعة السيارات لوبيا صعب المراس وخبيرا في المناورات السياسية في واشنطن للدفاع عن حقوق حاملي اسهمها، وبالتالي تضع هامش الربح كأولوية قصوى بدلا من قضايا حماية البيئة المحلية أو جودة الهواء أو أمن الطاقة أو ظاهرة الاحتباس الحراري.
لكن ما هي دواعي موافقة أقطاب صناعة السيارات وقبولهم بالمقترحات البيئية الجديدة لحكومة باراك أوباما؟ الجواب يكمن في التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية على قطاع السيارات في ديترويت ووقوع أسماء لامعة كشركات فورد وكرايسلر وجنرال موتورز على حافة الإفلاس؛ ما استدعى تدخل الحكومة الفيدرالية وضخ عشرات المليارات في محاولة إنقاذها وبالتالي إنعاش الاقتصاد الأميركي والعالمي. السبب الآخر هو إقرار هذه الشركات بوجود تهديد ظاهرة الاحتباس الحراري للعرق البشري وبالتالي قبولها بالقيام بجزء من مسئولياتها نحو خلق مجتمع مستدام.
الشراكة التنفيذية بين ثلاثي البيئة والسياسة وصناعة السيارات نجحت في الموافقة في الأسبوع الماضي على مجموعة من القوانين الجديدة لزيادة كفاءة استهلاك الوقود في العربات وخفض مستوى انبعاث الملوثات في الهواء الجوي وبالتالي تحسين جودتها. الاقتراح يقضي بوضع سياسة موحدة لجميع الولايات الأميركية لرفع كفاءة استهلاك الوقود في العربات بنحو 40 في المئة من مستوياتها الحالية لتصل إلى 35.5 ميلا لكل جالون في العام 2016. نستطيع أن نقارن كفاءة بعض الموديلات الحديثة (2009) للسيارات فمثلا سيارة الهمر تقطع مسافة 14 ميلا لكل جالون، أما سيارة إكسبيديا (فورد) فتقطع مسافة 17 ميلا، وأما سيارة إنفوي (جنرال موتورز) فتقطع مسافة 17 ميلا؛ لذلك فمن المتوقع أن يساهم القانون المقترح في زيادة القدرة التنافسية للسيارات الأميركية في الأسواق العالمية وتجعلها أكثر جاذبية للمستهلك الذي يعنى بالبيئة وكمية استهلاك البنزين.
من المتوقع أن تساهم هذه السياسة البيئية الجديدة في خفض الانبعاثات الكربونية للولايات المتحدة بنحو 30 في المئة أي 900 مليون طن متري وهذه الكمية تقدر ما ينبعث من 194 محطة كهرباء تعمل بالفحم أو 58 مليون سيارة في الطريق. أما من الجانب الاقتصادي والأمني فإن كمية البنزين التي سيتم توفيرها بسبب تطبيق السياسة الجديدة ستجعل الولايات المتحدة لا تحتاج إلى ما تستورده من النفط من كل من السعودية وفنزويلا وليبيا ونيجيريا.
هل ستتأثر الدول المعتمدة على تصدير خام النفط بهذه القرارات البيئية؟ وهل سيعني هذا بداية النهاية لاعتماد الولايات المتحدة على الدول الأجنبية لضمان أمن الطاقة؟ من الواضح أن العالم مصمم على الاعتماد على التكنولوجيا لخفض الانبعاثات الكربونية لمجابهة قضية تغيير المناخ وسيكون هناك خاسرون ورابحون بسبب نتائج وآثار هذه القضية الدولية. لا شك أن التغير قادم ببطء وهناك إرادة وحركة جديدة في العالم نحو نمو اقتصادي في ظل تنمية مستدامة.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ