فيما يقترب موعد ظهور نتائج الانتخابات النهائية تظهر على السطح رغبة الأكراد في تشكيل حكومة وحدة وطنية، لأنها «الوحيدة القادرة على إخراج العراق من الإرهاب»، بحسب وصف أحد المسئولين الأكراد. وهي تحقق الديمقراطية والعدالة في المجتمع العراقي. وأصبح تشكيل حكومة الوحدة الوطنية محل اختلاف بين أكبر كتلتين في البرلمان (الكردية والشيعية)، فقد عبّر عدد من مسئولي «الائتلاف العراقي الموحد»، عن تحفظه على تشكيل مثل هذه الحكومة. وقال رئيس قائمة الائتلاف عبدالعزيز الحكيم: «إن الديمقراطية تعني احترام رأي الغالبية»، وهذا يعني ان الحكومة يجب أن تشكل من القائمة الفائزة. في المقابل، رأى جلال الطالباني في حوار مع صحيفة «الصباح» العراقية ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات الوطنية، على خلاف الحكيم الذي يرى بأنه من الضروري تشكيل الحكومة المقبلة بناءً على الاستحقاق الانتخابي، لأنه بهذا المعنى «يحترم إرادة الشعب الذي تحدى الإرهاب وذهب إلى صناديق الاقتراع». ظاهرياً لا توجد اختلافات كثيرة في الرؤية بين الأكراد والشيعة، لأن الشيعة يريدون أخذ الاستحقاق الانتخابي في الاعتبار، في حين يريد الأكراد أخذ الاستحقاق الانتخابي الوطني في الاعتبار عند تشكيل الحكومة. أما في الباطن، فثمة بون واسع بين الطرفين. وقال الطالباني: «نحن بدورنا يجب أن نحترم ونأخذ بنظر الاعتبار الاستحقاقات الانتخابية لأنها تعبر عن إرادة الشعب العراقي، وتمثّل قراره في الوقت الذي نحتاج فيه إلى حكومة الوحدة الوطنية، لأن تشكيل هذه الحكومة بنظر الأكراد ليس فقط يحقق الاستقرار في العراق بل يخلق بيئة ومناخاً جيداً مع الجوار، وخصوصاً مع السعودية وجامعة الدول العربية». وهذا ما أكده الطالباني بقوله: «بذلت جهوداً مع عدد من الدول العربية والجارة لتحقيق هذا الهدف، فكانت الاستجابة جيدة من قبل الاخوة في السعودية الذين أيدوا تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وكذلك كانت الاستجابة بالنسبة إلى مصر...». الأكراد ينتظرون النتائج الرسمية للانتخابات ليقلع قطار الحوارات والمشاورات الجدية إلى التوصل إلى برنامج مشترك بين الأطراف المتجاذبة والمتنافرة، لكن هذا يتطلب اتخاذ موقف سني، فـ «من الضروري تبني موقف محدد من الإرهاب، إذ يتم منع المزاوجة بين أكثر من موقف أحدها سياسي والآخر يلوح بالإرهاب»، بحسب الطالباني. وهذا يعطي الأمان ويخلق مناخ الثقة، بينما لا يرى «الائتلاف» أن من الضرورة أن تشترك جميع القوى والأطراف في الحكومة، ويريد أن تتحول القوائم غير المشاركة في الحكومة إلى قوى معارضة، لأن هذه هي الآليات الديمقراطية بحسب المفهوم الذي يطرحه الشيعة. الأكراد الذين أرسلوا الرسائل عبر الإعلام إلى الشيعة، وتناغموا مع رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبدالعزيز الحكيم عن رفضهم أيضاً تغيير بعض بنود الدستور فيما يخص الفيدرالية، لا يؤيدون تشكيل حكومة من الشيعة والأكراد وحدهم. وقال الطالباني في إحدى حواراته الأخيرة: «نعتقد انه لا يجوز حصر الحكومة بين هذين المكونين على رغم إمكان ذلك وفق الاستحقاق الانتخابي، لكن لابد من إشراك العرب السنة تحت أية تسمية، بشرط أن نتفق على البرنامج الذي يتم وضعه من قبل الجميع والاتفاق على صوغ. ولابد من إشراك العرب السنة في الحكومة إلا إذا تطلب تشكيل حكومة طوارئ لا سمح الله». الأكراد الذين حصنوا مواقعهم في تركيب بيتهم ووحدوا ادارتهم، بما يدخل في طور التنفيذ خلال أيام، وأمنوا منصب رئيس العراق وبتفعيل مكان الرئيس في الدستور، لأن الرئيس جزء من السلطة التنفيذية بحسب الدستور الدائم، وهو ما يتيح له صلاحيات فاعلة وجدية وغير فخرية. وهم في طريقهم إلى إعلان وزير خارجية إقليم بدلاً من وزارة «المساعدات والإعمار» يهمهم أيضاً وجود حكومة منفتحة على الجميع وممثلة للجميع. الأكراد يعرفون أن مقومات الدولة الكردية غير موجودة، وهم يعرفون ان المصلحة الوطنية الكردية، الاقتصادية والسياسية والديمقراطية والثقافية، تتطلب بقاء الإقليم ضمن العراق الفيدرالي الموحد، وكذلك لضمان الاتصال التجاري والاقتصادي في العالم، فضلاً عن الحصول على جزء كبير من موازنة العراق التي تكفي للارتقاء بواقع كردستان المتمثل في حملات البناء والإعمار والمخصصات المالية مع العراق الموحد الاتحادي. حكومة الوحدة الوطنية هي غاية الأكراد حتى على حساب علاقاتهم مع بعض الأطراف الشيعية، لأن هذه الحكومة تعطي الأمان للأكراد وتفتح أمامهم آفاق علاقات غير مشمئزة مع العرب السنة في الداخل ومع العالم العربي في الخارج، لأن الأكراد مازال أمامهم الكثير حتى يتحصنوا في موقعهم. ولهذه الأسباب تبدو زيارة منسق حكومة إقليم كردستان في الأمم المتحدة ديندار زيباري إلى أوروبا والمملكة المتحدة، بهدف بحث أهم التطورات التي طرأت على إقليم كردستان مع مسئولين في الحكومة البريطانية ومع مسئولي ومديري منظمات الأمم المتحدة في جنيف، بروكسيل، باريس، وفيينا (بحسب مصدر إعلامي مقرب من الاتحاد الوطني الكردستاني). والهدف من الزيارة هو تشجيع وتعزيز الدعم الدولي لنشاطات الأمم المتحدة في إقليم كردستان العراقي، والتأكيد على دور منظمات الأمم المتحدة في بناء العراق الجديد في إطار فيدرالي، ديمقراطي، تعددي. وتعمل حكومة إقليم كردستان حالياً جنباً إلى جنب مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى الموجودة في المنطقة لتحقيق الأفضل والأمثل للإقليم. وفي ظل الدستور العراقي الجديد ستشارك حكومة إقليم كردستان في سن القوانين السياسية والقرارات الأساسية المتعلقة بتطوير وبناء العراق ككل. والسؤال: هل النجاح سيكون من نصيب الأكراد هذه المرة أيضاً؟ * كاتب سوري كرد
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1231 - الأربعاء 18 يناير 2006م الموافق 18 ذي الحجة 1426هـ