تطوي جمعية الوفاق الوطني الإسلامية هذه الأيام صفحة من تاريخها الذي تمثل في مرحلة الجمعية السياسية التطوعية، لتلج إلى عالم ومرحلة الحزب السياسي المحترف. وفي هذه العجالة لنا عدة رسائل قصيرة إلى الأطراف ذات العلاقة بأكبر حزب سياسي في دول مجلس التعاون الخليجي، نستشرف خلالها آفاق الواقع والطموح لمؤسسة يعول عليها جل مواطني هذا الوطن العزيز لتؤدي دورها المفصلي في حفظ المصالح العامة وإدارة العمل الوطني السياسي المتحضر والراقي. إلا أن هذه القراءة المختصرة لن تغني عن الدراسة المعمقة التقويمية لأداء هذه المؤسسة، فاستجلاب المكاسب والنجاحات في المستقبل لا يتحقق دون استقصاء مواقع الإخفاق والزلل في الماضي. فالوفاق الجديدة، بوصفها تجمعاً حزبياً وطنياً إصلاحياً له رؤية إسلامية، يعمل في إطار الشرعية الدستورية، مناط بها مهمات ومسئوليات كبيرة عبر هياكلها الجديدة وأجهزتها والمراكز التابعة لها، لتحقيق أهدافها الوطنية بحسب الرؤية التي التزمت بها، والمتمثلة في «بناء وطن عصري، تكون فيه السيادة للشعب، وتتوافر فيه المشاركة الشعبية في صنع القرار، ويحقق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة في ضوء الرؤية الإسلامية»، وفي رسالتها المتمثلة في «الالتزام بقضايا الوطن والمواطن والسعي لتحقيق التنمية المستدامة في جميع أبعادها الروحية والمادية، من خلال المشاركة الفاعلة في الشأن العام بالوسائل السلمية والحضارية بما يحقق الرخاء والازدهار والرفعة ويعزز السلم الأهلي والوحدة الوطنية». لذلك فهي بحاجة إلى برنامج فاعل يتمثل في مساع لإحقاق الحقوق السياسية وغيرها من أجل تنمية الوطن وازدهاره ونقله من واقع التخلف السياسي والاجتماعي وتعزيز إنجازاته الحضارية. وينبغي أن ينصب اهتمام هياكل الوفاق باتجاه بناء ركائز تجذر أركانها وتقوي بنيانها لتتمكن من البقاء صامدة أمام العواصف والظروف المتغيرة. فالوفاق الجديدة بحاجة لتطوير هياكلها بحيث تتلاءم تدريجياً مع الواقع المؤسسي الحزبي الجديد، وإرساء أطر العمل، واستكمال اللوائح الداخلية لإدارة أجهزتها وأعمالها، وإعداد الأسس والمعايير والأنظمة الإدارية. ومن ثم عليها وضع استراتيجية لعملها وتوسيع رقعة الدوائر واللجان التي سيتم تشكيلها لتستوعب أكبر عدد من الطاقات، وتفعيل دور الوحدات الإدارية الفرعية وإنشاء مراكز للوفاق في مختلف المناطق. ومن جهة أخرى، على الوفاق أن تباشر في مد جسور وبناء علاقات قوية مع مختلف القطاعات والمؤسسات الرسمية والأهلية، والتواصل العضوي مع قواعدها وجماهيرها التي هي رصيدها ومناط أهدافها، وتلك هي الدائرة الصغرى. ثم علاقاتها وارتباطها مع جميع أبناء الوطن بشتى انتماءاتهم المذهبية والفكرية وطبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتلك هي الدائرة الكبرى. ولا يخفى كم كانت المرحلة الماضية بالغة الصعوبة، وحافلة بجرعات شديدة من المد والجزر في بحر المتغيرات السياسية الكبيرة في البلاد. ولا غرو أن تركز الوفاق خلال المرحلة المقبلة على الاستحقاقات السياسية الكبرى، ولاسيما خلال سنة الانتخابات العامة التي تتطلب قدراً كبيراً من العناية والاهتمام غير القابل للتأخير، ومن أساسيات ذلك إجراء دراسة جدوى سياسية لاستقراء المصلحة الإسلامية والوطنية الكبرى في الموقف من الانتخابات المقبلة، والذي يستدعي التشاور والتحاور مع مختلف الأطراف، ولاسيما كبار العلماء وأهل التجربة في الشأن السياسي، ليكون القرار على أساس متين من التعقل بعيداً عن الانفعال والتعصب للرأي. إن المرحلة حساسة جداً، لذلك ينبغي الالتفات إلى المسائل المهمة، وعلى رأسها المسألة الدستورية والموقف من دستور 2002، والصلاحيات المقيدة وغير العادلة للبرلمان، بخلاف ما تم الاتفاق بشأنه إبان التصويت على ميثاق العمل الوطني، إضافة إلى التوزيع المجحف للدوائر الانتخابية والمتناقض مع المبدأ الدستوري للعدالة الانتخابية وتكافؤ الفرص. وكل ذلك في خضم الأزمات والاحتقانات التي حدثت نتيجة الملفات الوطنية العالقة وعلى رأسها البطالة والتمييز والتجنيس السياسي والفساد الإداري والمالي، والحريات والحقوق (قانون 65)، والفقر والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، والخدمات العامة من إسكان وصحة وتعليم. ويستشرف المراقب من خلال سير العملية الانتخابية لهياكل الوفاق الجديدة بأنها أنموذج للعمل الشوري والديمقراطية لحزب كبير قابل لاحتضان مختلف التوجهات والانتماءات المتناغمة مع رؤيتها ورسالتها القابلة لتشمل أبناء الوطن كافة. وهذه الانتخابات هي فرصة لتوطيد أركان العمل الديمقراطي والممارسة العملية في المجال الانتخابي. وفي العملية الانتخابية هذه نرى التوجه والرغبة الكبيرة للأعضاء للانخراط في هياكلها، ما يدلل على قدر كبير من الإحساس بالمسئولية، وهو مؤشر على استكمال هذا التوجه بالانخراط في دوائر ولجان وفرق عمل الجمعية، والتفاعل القريب مع أنشطتها وفعالياتها. ورسالة أوجهها إلى الذين لا يحالفهم التوفيق في دخول الهياكل الرئيسة للوفاق، وأقول بأنهم موضع إشادة لإبدائهم قدراً كبيراً من المسئولية تجاه الوفاق وقضايا الوطن، بترشيح أنفسهم للعضوية، الأمر الذي يبدي صفاء معدنهم، ويكفيهم نجاحاً إقدامهم على الترشح وإبداء استعدادهم لخدمة الوفاق ورسالتها الوطنية. ثم ان نسبة الأصوات التي يحصل عليها المترشح لا تعكس بالضرورة الثقل والواقع الحقيقي له، فهناك الكثير من العناصر التي قد لا يحالفها الحظ في الفوز، ولكن ذلك لا ينقص من شأنها ودورها الفاعل شيئاً. وأرى أن كل المترشحين من أصحاب البذل والعطاء في التيار الوفاقي الكبير. وأدعوهم جميعاً لأن يتآزروا ويتكاتفوا مع أعضاء الأمانة العامة وشورى الوفاق وهيئة التحكيم، ليرفدوها بخبراتهم وآرائهم. وأرى أن ما عرض من برامج المترشحين، من أصحاب القوائم أو المستقلين، تحتوي على قدر ثمين من المقترحات والرؤى التي من المفترض استثمارها وترجمتها على الأرض، واستيعابها ضمن إطار البرنامج العام للمرحلة المقبلة على المستوى السياسي أو الإداري. ورسالة أخرى أوجهها إلى الذين سيفـُوّضهم المؤتمر العام لتحمل مسئولية إدارة المرحلة الجديدة، أقول إن انتخابهم أمانة في أعناقهم، وعليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم لأدائها. فهم مسئولون أمام الله وأمام أبناء هذا التيار الكبير، وأمام الوطن كافة، فينبغي عليهم تقديم الأفضل، ورائدهم الإخلاص والبذل والعطاء من الوقت والجهد والمال، لنماء الوفاق والوطن، وأن يكون ذلك خالصاً لوجه الله تعالى. وبعد أن يتم طي محطة الانتخابات لابد من بدء العمل الحثيث لترجمة آمال وتطلعات الناخبين وأعضاء هذا الحزب الفتي، ويحتاج إلى رعاية كبيرة ليعطي ثماراً يانعة للمجتمع، ويحق الحقوق وينتصر للمحرومين ويحد من الظلم والتعدي على حقوق المواطنين، ويأخذ بالوطن إلى آفاق المعالي. وآخر رسالة أوجهها لجميع أبناء الوطن الذين يؤمنون بمبادئ الوفاق، أن يلتحقوا بهذه المؤسسة ويشاركوا فيها بما يحقق أهدافها الوطنية في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية العادلة، وتجذير الحرية المسئولة، والمساواة الاجتماعية، والمواطنة الحقة، وما ترمي إليه من خير لهذا الوطن واستقراره ونمائه وتقدمه وازدهاره على كل الصعد ولجميع شعب البحرين الحبيبة. * ناشط سياس
العدد 1231 - الأربعاء 18 يناير 2006م الموافق 18 ذي الحجة 1426هـ