قليلة هي المحاكمات التي شكلت في الوطن العربي لمقاضاة مسئولين سابقين، ولكن بالقياس لمحاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وتلك التي شهدها السودان لأعوان الرئيس المخلوع جعفر النميري نجد أن البون جد شاسع. المحكمة التي شكلت عقب إسقاط نظام النميري العام 1985 التى مثل أمامها نائبه عمر محمد الطيب ووزير شئون الرئاسة بهاء الدين إدريس كانت مادة دسمة وسابقة لم يشهد القضاء السوداني لها مثيلاً، وكانت تشكل مادة دسمة لم تستطع أية أسرة سودانية أن تفوت جلساتها التي كانت تبث على الهواء مباشرة عدا بعض الجلسات السرية التي كانت تمس العلاقة دولاً أخرى. لم نسمع وقتها أن هناك من اشتكى عن ضعف المحكمة أو أنها كانت من دون حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوداني كما أن القاضي كان جباراً وسيطر على مجريات الجلسات بكل كفاءة واقتدار، وصار نجما في الساحة السودانية حتى أعلن في ختام المطاف عن أحكام رادعة بحق المتهمين. لكن محكمة صدام برئاسة القاضي رزكار محمد أمين لم تبلغ ذاك الحد، ولم يستغرب أحد أن يتنحى عن هذه المهمة التي وجد نفسه متورطا فيها. ويبدو أن أمين استقال من منصبه بسبب انتقاد سياسيين عراقيين لاسلوبه في إدارة الجلسات على انه متساهل ويعطي مجالاً واسعاً للمتهمين ومنها انه يتوجه إلى المخلوع صدام حسين بلقب «أستاذ». ومن المتوقع أن يترأس الجلسة المقبلة في 24 يناير/ كانون الثاني القاضي سعيد الهماشي لأن العرف يقضي باختيار من يجلس عادة إلى يمين رئيس هيئة المحكمة. ونقل عن الهماشي قوله «غداً ستشاهدون سير الجلسات ولكل حادثة سيكون حديث. أنا لا أريد استباق الحوادث، أنا سأدير المحكمة وفق القوانين والضوابط المرسومة بموجب القانون والقواعد والحقيقة». وأضاف «لا يهمني من الذي يقف أمامي أهو رئيس سابق أو صدام أو سواه، ما يهمني هو تحقيق العدالة والتعامل مع أي متهم بذات المواصفات التي أتعامل بها مع متهم آخر». وهذا القول يؤكد أن أمين لم يستطع أن يتعامل مع صدام على انه متهم بل لم يستطع أن يصدق انه لم يعد رئيساً. وهذا هو السبب الذي حدا الولايات المتحدة نفسها أن تنتقد أسلوبه قائلة إن الإعلام صار يهتم بما يقوله صدام وليس شهود الاتهام
إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ