أميران من أمراء الكويت عرفتهما معرفةً تختلف عن بقية الأمراء الذين عرفتهم أو الذين عرّفني بهم التاريخ عبر صفحاته المضيئة قبل المظلمة، أحدهما عن قرب والآخر عن بعد، وكلاهما الأميران كانا في قلب التاريخ بصولاته وجولاته، بأفراحه وأحزانه. الأول المغفور له بإذن الله صباح السالم الصباح، حين كان أميراً للكويت وقد قابلته في قصره قبل ساعات من زيارة الرئيس اللبناني سليمان فرنجية له، وقد لعبت المصادفة لعبتها في مقابلتي تلك، إذ جعلتني أقف وجهاً لوجه أمام رجل يحكم الكويت، يحدّثني ويسأل عن عائلتي التي يعرفها جيداً. ولا عجب في ذلك من رجل عرف عنه سؤاله الدائم عن شعبه، صغيرهم وكبيرهم. كان اللقاء الذي جمعني مع الراحل صباح السالم الصباح لقاء عمل، وكان ذلك في المسجد الذي يتوسّط قصره. كان الراحل بسيطاً جداً وإنسانياً جداً وأباً متواضعاً جداً. ثم إني عرفته معرفة أخرى في صباح اليوم الذي أعلنت فيه صحف الكويت رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، إذ كان آخر المودّعين للرئيس الذي كان يضمد معه حتى آخر لحظة جراح الأمة العربية، ويعمل جاهداً على وقف نزيف الدم العربي الذي كان وما زال أرخص من التراب. لقد كان رجل المهمات الصعبة حقاً. فقيدنا الراحل جابر الأحمد الصباح، عرفته عن بعد ولم ألتقي به شخصياً أبداً سوى عبر صفحات الصحف وشاشات التلفاز وعبر أجهزة الإعلام المختلفة. غير إن كل هذه اللقاءات وما نتج عنها من معرفة بالراحل الكبير تبقى ذكرى واحدة لا يمكن أن أنساها أبداً، فقد كنت في طريقي من منزل جدي (رحمه الله) في الرميثية إلى بيت أحد أقاربي في الشعب لتناول إفطار رمضاني، وإذا بي بالأمير الراحل في سيارة صغيرة جداً من نوع «فولكس واغن» صفراء اللون قبيل موعد الإفطار يجوب شوارع الكويت بمفرده، يتفقد حال الرعية ويطمئن على حال الأمة. يومها لم أكن أعرف سر تعلّق الشعب الكويتي بالأمير الراحل ولكني لم أخف إعجابي بشخصه، وبتلك المشاهدة التي أخبرت أقربائي عنها وأعجبوا بها أيما إعجاب. الراحل جابر الخير، صفحة من صفحات التاريخ العربي تحديداً والعالمي بشكل عام، تشع بالنور، لا محاججة في ذلك. فقد رأينا عبر السنوات التي تزيد عن 30 عاماً، إنجازات عهده على مختلف المستويات» وكتاب التاريخ بكل ما فيه من جروح وندوب وقسوة ورعونة، الذي يحتضن في الوقت ذاته تلكم الصفحة يصبح بكل ما في الكلمة من معنى هو تلك الصفحة المضيئة ولا يعير الصفحات المليئة بسواد الظلمة الأخرى أي اعتبار. فيصبح التاريخ علماً. كتاب التاريخ ذلك هو «جابر الخير». اللهم تقبل منه صالح أعماله وأسكنه فسيح جناتك. * كاتب كويتي مقيم في البحري
العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ