العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ

مشاركة المواطنين

علياء علي alya.ali [at] alwasatnews.com

إن الحديث عن مشاركة أوسع للمواطنين في عملية دعم وإدامة عملية التنمية، وعن مشاركة أكبر للقطاع الخاص في إنشاء وتمويل مشروعات البنية الأساسية، لابد أن ينصرف إلى إيجاد صيغة توفيقية ما بين ماضي أساسيات تلك المشاركة وحاضر ومستقبل هذه الأساسيات. فمن المتعارف عليه أن خدمات جميع المرافق الحيوية كان يتم تقديمها بأسعار رمزية للمواطنين، إذ تتحمل الأجهزة الحكومية نفسها أعباء النفقات الحقيقية لهذه المرافق. وطالما أن هذا الأسلوب لن يكون مجدياً عندما يتم البحث في تحويل ملكية هذه المرافق إلى القطاع الخاص، فقد يرد إلى الذهن أن الصيغة البديلة هو اللجوء إلى زيادة أسعار رسوم خدمات هذه المرافق. إلا أننا نعتقد أنه بدلاً من الحديث بصورة مباشرة عن هذه الزيادات، فإن الحديث يجب أن يتركز على صيغة بديلة أخرى، وهي ما يمكن تسميتها بالمشاركة الاجتماعية التي تركز بدورها على عطاء العنصر البشري. ومفهوم المشاركة الاجتماعية ينطوي على الكثير من الجوانب الثقافية والقيم الحضارية، إلى جانب ما ينطوي عليه من جوانب مادية ومالية تشكل بمجموعها مفهوماً جديداً للتنمية، خلافاً لما قد يتم الترويج له في الكثير من أدبيات المؤسسات الدولية في الوقت الحاضر. فعلى سبيل المثال، تعدد تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة نماذج مختلفة من التنمية، إذ لم يعد مفهوم هذه التنمية مقتصراً على تحديد معدلات النمو الاقتصادي، بل لابد من النظر إلى محتوى ونتائج هذا النمو. ووفقاً لذلك فهناك النمو عديم فرص العمل الذي ينمو الاقتصاد فيه عموماً، من دون أن يحقق زيادة في فرص العمل المتوافرة. كما أن هناك النمو عديم الشفقة الذي يزداد فيه الغني غنى والفقير فقراً، وهناك النمو الأخرس الذي ينمو فيه الاقتصاد، إلا أن عمليات الديمقراطية وتمكين غالبية السلطات لا تستطيع مواكبة هذا النمو. وهناك أيضاً النمو عديم الجذور الذي تدفن فيه الحكومات المركزية الهوية الثقافية للأقليات. وهناك أخيراً النمو عديم المستقبل الذي يبذّر فيه الجيل الحاضر الموارد التي ستحتاج إليها الأجيال المقبلة. ويقول رئيس محرري التقرير ريتشارد جوللي إن كثيراً من الناس يشعرون بالقلق، خشية أن تكون التنمية تقلص حظوظ المستقبل بدلاً من أن تزيدها، وليس هناك أبعد عن الحقيقة من هذا الكلام، فالتنمية البشرية والنمو الاقتصادي صنوان لا يمكن الفصل بينهما. وصحيح أن هذه التقارير تدعو إلى وضع ميثاق للتكامل الاجتماعي والاقتصادي بين الشمال والجنوب للعمل معاً من أجل تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وعلى رغم صحة هذه المنطلقات والأهداف، إلا أن الطريق إلى تحقيقها مليء بالأشواك والمصاعب التي نجد أن الدول الصناعية، وأحياناً بعض منظمات الأمم المتحدة مثل صندوق النقد الدولي قد أسهم في زرعها. وقد لا يكون المجال ملائم هنا للدخول في تفاصيل هذا الموضوع، إلا أنه أصبح واضحاً أن المصالح الاقتصادية باتت محركاً رئيسياً للصراعات السياسية وحتى الاقتصادية، وكثيراً ما حاولت الدول الصناعية التصرف على أساس أن الإيفاء بمصالح الدول النامية يعني التنازل عن جزء من رفاهيتها الاقتصادية والاجتماعية، ما يدخل الاثنين في مواجهات مستمرة تأخذ مختلف الأشكال المشروعة وغير المشروعة. إن المقبل من الأيام يحمل تحديات أكبر، من شأنها أن تسلط الضوء بصورة أشد على نقاط الضعف، وخصوصاً فيما يتعلق بالضغوط المتزايدة على أنماط ومستويات الحياة المعيشية التي أوجدتها سنوات السبعينات والثمانينات بأكثر مما هو حاصل حالياً. لذلك فإن إعادة صوغ برامج التنمية الاقتصادية بما يؤمن تنمية بشرية وطنية حقيقية ومشاركة اجتماعية وسياسية واقتصادية أوسع، يمثل في الوقت نفسه، مدخلاً رئيسياً لتجاوز تلك الضغوط، والحفاظ وتطوير ما تحقق من إنجازات.

إقرأ أيضا لـ "علياء علي"

العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً