تكتسب انتخابات جمعية الوفاق في 19 الشهر الجاري أهمية خاصة في الأوساط السياسية الرسمية منها والشعبية، ومرد ذلك يعود إلى القاعدة الشعبية التي تمتلكها الوفاق وتأثير قرار الجمعية في تكوين هذه القاعدة سياسياً، كما تعود إلى المرجعية السياسية للوفاق وعلاقتها بتيار العلماء، وتحديداً المجلس العلمائي، إضافة إلى قدرة الوفاق على التأسيس للتفاهمات والتحالفات مع الجمعيات السياسية الأخرى. بيد أن الانتخابات في هذه المرة لها خصوصية مختلفة عن سابقاتها، من جانبين: أولهما الجانب الشكلي لهذه الانتخابات، والآخر يختص بالقرار السياسي المرتقب. أما من حيث الشكل، فالنظام الأساسي الجديد الذي جاء بعد تسجيل الوفاق تحت قانون الجمعيات السياسية، أفضى إلى شكل انتخابي لم تعرفه الوفاق في دوراتها السابقة، وهو أقرب إلى التنظيمات الحزبية. وسيجد الناخب الوفاقي نفسه في مؤتمره العام يختار ثلاثين عضواً من المترشحين لشورى الوفاق، وهي الجهة المخوّلة بالتشريع والمراقبة، كما يختار خمسة أعضاء لهيئة التحكيم، وهي المخوّلة بفض الخصومات والمنازعات. هذا النموذج الجديد في العمل السياسي البحريني يتطلب من الوفاق الكثير من الجهد والالتزام لإنجاح هذه التجربة وتمريرها إلى الحياة السياسية، لاسيّما أن الوفاق تطمح أن تتحول إلى حزب سياسي بشكل رسمي. من هنا وجب على المترشحين في قوائم أو مستقلين إدارة حملاتهم الانتخابية بجدية وحرفية سياسية تامة، مع مراعاة ما تتطلبه الانتخابات من زخم إعلامي، وقرب من القاعدة الجماهيرية. يُضاف إلى ذلك الدقة في إرسال الرسائل السياسية للداخل البحريني حكومة وجمعيات وقطاعات مختلفة، وللجوار الإقليمي والمراقب الدولي. وهذا لن يتأتى إلاّ بتوافر الامكانات السياسية التي تحصلها هؤلاء المترشحون طيلة عملهم في الوفاق، وما خبروه من تجربتهم السياسية إن توافرت لبعضهم. كما تلعب الامكانات المادية دوراً مهماً في ترقية الأداء الانتخابي. وأشاع قيام لجنة الانتخابات بالسماح لجمعيات وهيئات لمراقبة سير الانتخابات... أشاع الكثير من الارتياح لدى الناخبين والمترشحين، كما أضاف لمسة جديدة على الشكل الانتخابي لجمعية إسلامية تمتهن العمل السياسي. ولكن ما لا نتمناه أن تتصور بعض القوائم أو بعض المترشحين وضمن سجالهم الانتخابي أنهم يمثلون مرجعية العلماء بشكل فاصل. كما لا نتمنى أن نشهد الاستقواء بالقصاصات التي تحمل صفات ونعوتاً معينة، لأن ذلك سيعكر صفو هذه الانتخابات، وستجد لجنة الانتخابات نفسها أمام حرج شديد لأنها لن تجد مستمسكاً يدين هذا المرشح أو تلك القائمة إلاّ هذه القصاصات، وسيكون لها بعض التأثير في توجيه الصوت الانتخابي في بعض الأوساط لكن المؤمل في الناخب الوفاقي أن يمتلك الوعي وتشخيص مصلحة العمل السياسي لجمعية الوفاق، كما يراعي مصالح الناس وهي مسئولية شرعية وجماعية قبل أن تكون فردية. بيد أن التدافع بين المترشحين ومحاولة الوصول إلى الناخب وإقناعه بالبرامج والرؤى السياسية التي يحملها هؤلاء المترشحون، يبقى حقاً سياسياً وحاجة ثقافية ستضيف إن حدثت أبعاداً جديدة على انتخابات الوفاق. لهذا فإن الوفاقيين مطالبون بأن ينهضوا بانتخاباتهم وأن يلتزموا بالحضور في يوم الانتخابات الطويل، لأنها لا تقل أهمية عن الانتخابات البلدية إن لم تكن النيابية، من حيث ترقب الشارع السياسي لنتائجها. أما إذا ما انتقلنا إلى الجانب الآخر والمتمثل في القرار السياسي فإن أبرز تجليات هذه الانتخابات هو بروز فكرة الأمانة العامة كجهة تتصدى لما يشبه السلطة التنفيذية (الحكومة)، وجاءت تصريحات الشيخ علي سلمان كاشفة عن مخزونات سياسية مهمة وإطار من العمل الديناميكي الذي يعود في النهاية إلى تهيئة الحال الرصينة لاتخاذ القرار السياسي المقبل. يضاف إلى ذلك، وهو ما يفهم من حديث الشيخ إن الوفاق في المرحلة المقبلة، ستعمد إلى إقناع الطرف الحكومي بمحاولة توزير المعارضة، وهو بحد ذاته يمثل تقدماً سياسياً للوفاق وللمعارضة. ويقيناً إن الوفاق ستستفيد من تجارب الأحزاب الإسلامية في العمل السياسي، التي تدرجت من المقاطعة إلى المشاركة في مجالس النواب، ثم الدخول في الحكومة وتجربة حزب الله في لبنان والأخوان المسلمون في الأردن ليست ببعيد. وما يفهم من حديث الشيخ أيضاً انه سيقدم نموذجاً لحكومته المرتقبة والمتضمنة كوادر وكفاءات مختلفة، كما إن وجود مستشارين إلى الأمين العام في القضايا السياسية والاقتصادية والإعلامية سيعطى القرار السياسي للوفاق حصانة جيدة. واعتقد أن أكبر مهمة تنتظر الأمانة العامة هي الإشراف على كتلة الوفاق في العمل البلدي، ومحاولة ترقية أداء هذه الكتلة قياساً بالتجربة السابقة، كما ستتكفل بالإعداد لمشروعات الوفاق في مجال التشريعات وسن القوانين في العمل النيابي حال شاركت في الانتخابات المقبلة بعد موافقة شورى الجمعية. إن وجود شورى الوفاق بثلاثين عضواً سيزيد من فرصة التدقيق في اتخاذ القرار السياسي ومراقبة الأداء العام للجمعية، وهذا من شأنه أن يكسب العمل السياسي في الوفاق حماية من الانزلاق نحو المخاطر ويجنبها الكثير من الارباكات داخلياً وخارجياً. ولعل هذا ما يعطي الوفاق ميزة بين الجمعيات السياسية ويجعلنا ندرك سر المقولة التي تقول «الوفاق ثقل المعارضة». خلاصة الأمر في هذه الإطلالة السياسية إن الانتخابات المقبلة للوفاق ستكون معنية بإحداث نقلة نوعية في نمط العمل السياسي، كما أن الشارع بمختلف أطيافه سيترقب تشكيلة شورى الوفاق بوصفها معقل القرار. وإذا لم تنتبه الوفاق لهذه الجوانب فان انتخاباتها ستقدم برهاناً للمتصيّدين في الماء العكر، بأن هذا الشعب مازال صغيراً على الحياة الحزبية، وعليه أن يعمد إلى «الحبو» السياسي. ولعل من الملائم هنا أن نذكر بعدم صواب المقولة التي تقول: «إنه ليس صحيحاً الخروج من عقلية المعارضة إلى عقلية الدخول في الدولة»، فالمعيار في الاثنين هو ما ينجز من مصالح الناس وترقية حياتهم وأوضاعهم. * ناشط في جمعية الوفا
إقرأ أيضا لـ "يوسف ربيع"العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ