في وقت أنهت دول الترويكا الأوروبية الثلاث اجتماعها في لندن بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا والصين لبحث أزمة الملف النووي الإيراني بدأ نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني جولته في المنطقة بزيارة مصر والسعودية وبعض الدول الخليجية. جولة تشيني لا يمكن فصلها عن تلك اللقاءات المستمرة التي أخذت عواصم القرار تشهدها لمتابعة الموضوع الإيراني. فالملفات في النهاية مترابطة وكلها تصب في إطار خطة تحريك الأوراق في سياق عام ينتهي في دائرة ما يسمى بدول «الشرق الأوسط الكبير». الملفات ليست متطابقة ولكنها مترابطة الحلقات وتشكل كلها في النهاية سلسلة ترى إدارة جورج بوش أنها قادرة على معالجتها من خلال الشرعية الدولية باستدراج دول مجلس الأمن إلى الموافقة على قرارات تخدم استراتيجية الولايات المتحدة. الملفات إذاً مهما تباعدت تشكل في مجموعها ذاك النسق الذي تشتغل عليه واشنطن تمهيداً لمعالجة تلك الملفات التي تشمل حتى الآن إيران والعراق وسورية ولبنان وصولاً إلى فلسطين وحتى السودان. إلا أن المشكلة القانونية التي تواجه «البيت الأبيض» تتركز الآن على الملف الإيراني بسبب عدم امتلاك إدارة بوش أية تغطية قانونية تتذرع بها للتحرك الدولي في هذا الموضوع. مثلاً الملف الفلسطيني صدرت بشأنه الكثير من القرارات سواء تلك المتعلقة بموضوع الصراع العربي الإسرائيلي أو بموضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وأيضاً الملف اللبناني صدرت بشأنه الكثير من القرارات سواء تلك المتعلقة بموضوع المخيمات وسلاحها أو بموضوع حزب الله وسلاحه واستطراداً تلك الموضوعات المتصلة بالشق الأمني ودور سورية، وانتهاءً بملف التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري. إلى جانب القرارات المتصلة بفلسطين ولبنان واستتباعاً بسورية... هناك قرارات كثيرة متعلقة بالعراق منذ تسعينات القرن الماضي وهي في مجملها تحاكي سلسلة قضايا مترابطة ومعنية باستقرار الخليج وأمنه وحماية نفطه. حتى بالنسبة إلى موضوع السودان فقد صدرت بشأنه قرارات تتصل بأمنه الداخلي ومشكلاته الحدودية، انطلاقاً من أزمة دارفور (منطقة غنية بالنفط) وامتداداتها الإقليمية إلى تشاد. وكل الملفات المذكورة فيها كمية من الأوراق الساخنة وبسببها نجحت الولايات المتحدة في استدراج مجلس الأمن إلى اتخاذ سلسلة إجراءات بشأنها وأصدر تباعاً مجموعة قرارات تصب في السياق الذي ترسمه من بعيد أو قريب الولايات المتحدة للمنطقة. إيران هي الطرف الوحيد الذي بقي خارج السياق المباشر لتلك القرارات. فطهران معنية لا شك سياسياً بموضوعات مختلفة من فلسطين في الداخل إلى المخيمات في لبنان وسلاح حزب الله وتحالفها الخاص مع سورية. إلا أن صلتها لاتزال بعيدة جغرافياً عن الاتصال المباشر بتلك القضايا الساخنة، إضافة إلى ذلك لاتزال طهران حتى الآن غير مستهدفة من قبل مجلس الأمن بمعنى انه لم تصدر عن دول المجلس قرارات مباشرة تمس أمن إيران. فكل الملفات صدرت بشأنها قرارات دولية تستطيع واشنطن استخدامها بالكيفية التي تريدها باستثناء إيران فهي لاتزال حتى الآن بمنأى عن تلك القرارات التي تمسها مباشرة. ولهذا السبب يمكن ان نقرأ ذاك الحماس الأميركي، ومحاولات واشنطن المستميتة لاستدراج الترويكا وروسيا والصين إلى مصيدة مجلس الأمن واقناع دوله باصدار قرار يتعلق مباشرة بالملف النووي الإيراني. وفي حال أصابت واشنطن النجاح في هذا الإطار تكون توصلت إلى صيغة قانونية دولية تعطيها حق التدخل مباشرة في شئون إيران وموقعها ودورها. جولة تشيني وهو رأس حربة التطرف الايديولوجي وممثل الاحتكارات النفطية في إدارة بوش ليست بعيدة جداً عن اجتماع لندن ومحاولات أوروبا إقناع روسيا والصين بنقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن. فهذه المسألة تشكل خطوة حيوية في استراتيجية التقويض الأميركية، ونقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن يعطي واشنطن تلك الذريعة التي تحتاج إليها لاستكمال حلقات التطويق من إيران إلى السودان. وفي حال نجحت تكون أميركا أخذت ما تريده الآن من مجلس الأمن للبناء عليه لاحقاً، ولهذا يجب أن تسارع طهران إلى بذل المستطاع لمنع الاحتمال المذكور من خلال علاقاتها الخاصة مع موسكو وبكين... وإلا تكون خسرت جولة مهمة في السباق الطويل.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ