تعليقاً على ما قرأته في صحيفة «الوسط» بتاريخ 3 يناير/ كانون الثاني الجاري بشأن مشروع القانون بشأن إعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية المعروض على مجلسي الشورى والنواب، اقول إنه لقد أثبتت تجربة مجلس النواب خلال الأربع سنوات من دورات انعقاده اثناء هذا الدور التشريعي الأول، فشل المجلس النيابي المنتخب في اقرار واصدار قانون يمكن ان ينسب إليه اقتراحه. بينما صدرت القوانين من هذا المجلس اثناء هذا الفصل التشريعي الأول في شكل مشاريع قوانين محالة إليه من الحكومة وفقا لحكم المادة (81) من الدستور التي تعطي الحكومة هذا الحق. ويمكن ان يعزى عجز مجلس النواب في اقرار واصدار قانون خاص مقترح من قبله للحكومة، الى حكم المادة (92) من الدستور التي تنظم حق عضو مجلس النواب في التقدم الى المجلس باقتراح بقانون وليس بمشروع قانون. ذلك لأن المادة (92) من الدستور تنص على ان «لأي من اعضاء المجلسين حق اقتراح القوانين»، فاذا رأى المجلس قبول الاقتراح، احاله الى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه الى مجلس النواب في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها. وقد اعاق هذا النص حق مجلس النواب في التقدم الى الحكومة بمشروع قانون. بينما يعتبر هذا الحق حقاً دستورياً اصلياً للسلطة التشريعية في الدول التي تأخذ بنظام الحكم الديمقراطي الدستوري. كما يؤخر تطبيق حكم المادة (92) من الدستور صدورمشاريع القوانين المقدمة من الحكومة إلى مجلس النواب والتي يدخل عليها هذا المجلس بعض التعديلات التي لا تنال موافقة الحكومة عليها. واقرب مثال على ذلك هو اقتراح مجلس النواب بادخال تعديلات جوهرية على اللائحة الداخلية للمجلس التي صدرت بالمرسوم بقانون رقم (54) لسنة .2002 ونظرًا لاستمرار معارضة الحكومة للتعديلات التي أدخلها المجلس النيابي على لائحته الداخلية، فإن قانون اللائحة الداخلية المعدل لم يصدر بعد، وذلك على رغم قرب انتهاء الفصل التشريعي الأول والاستعداد حالياً لخوض انتخابات نيابية جديدة تهيئ لبداية الفصل التشريعي الثاني، الأمر الذي يدعو للحيرة والاستغراب حقاً. وفي نظرنا، إن مجلس النواب بتشكيلته المحافظة الحالية، هو مسئول مسئولية مباشرة في جنوحه عن إعطاء الأولوية للمطالب الشعبية بشأن التعديلات الدستورية، وعلى رأس هذه التعديلات الدستورية ضمن أمور جوهرية أخرى المطالبة بتعديل المادة (92) تعديلاً جوهرياً يرجع إلى المجلس النيابي المنتخب هيبته وسلطته التشريعية التي تتمثل في استرجاع حقه الدستوري الأصيل في التقدم إلى الحكومة بمشاريع قوانين لا تقل أهمية عن مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة للمجلس وفقا للمادة (81) من الدستور، هذا الحق الذي سلب من المجلس التشريعي نتيجة لحكم المادة (92) من الدستور. بينما يقضي الفقه الدستوري وكذلك الأعراف الدستورية المطبقة في الدول الديمقراطية بأن يتمتع عضو المجلس التشريعي بحق اقتراح قانون خاص، فإذا وافق المجلس على هذا الاقتراح، تبناه واقره في شكل مشروع قانون يعرض على الحكومة لإبداء رأيها فيه. وبالرجوع إلى المادة (71) من دستور سنة ،1971 نجد أنها تنص، بشكل مختصر، على أن «لعضو المجلس الوطني حق اقتراح القوانين». ومفهوم هذا النص كما كان مطبقاً هو أنه إذا وافق المجلس على هذا الاقتراح بقانون، فإنه يضعه في صيغة مشروع قانون، ثم يتقدم به للحكومة لأخذ موافقتها عليه أو إبداء رأيها فيه، على أن تعيد الحكومة مشروع القانون إلى المجلس في الدورة نفسها التي أقر فيها المشروع. وهذا الحكم نفسه تتضمنه المادة (109) من دستور الكويت لسنة 1962 والمادة (105) من دستور قطر لسنة .2004 إذ تنص المادة (109) من دستور الكويت على ان «لعضو مجلس الامة حق اقتراح القوانين». فإذا وافق المجلس على هذا الاقتراح المعروض عليه، أقره في شكل مشروع قانون قبل إحالته إلى الحكومة لأخذ رأيها فيه، وذلك حسبما هو جار عليه العمل في الكويت. بينما تنص المادة (105) من دستور قطر الجديد على ان الاقتراح بقانون المقدم من عضو مجلس الشورى، يحال، بعد إقراره من المجلس ووضعه في صيغة مشروع قانون، إلى الحكومة لاخذ رأيها فيه. وقد أثبتت تجربة المجلس الوطني القديم القصيرة التي لم تتجاوز السنتين، بأن المجلس الوطني حينذاك تمكن من اقرار وإصدار مشروعات قوانين مقدمة من المجلس نفسه، وذلك بالتطبيق لحكم المادة (71) من الدستور ودون تدخل الحكومة في إعداد ووضع الاقتراحات بقوانين المقدمة من المجلس في صيغ مشاريع قوانين. وكان الجهاز القانوني التابع للمجلس الوطني القديم والمكون من مستشاري المجلس، يتولى وحده مهمة إعداد ووصوغ مشاريع القوانين المقدمة من أعضاء المجلس. وباطلاعنا على ما نشرته صحيفة «الوسط» بتاريخ 3 يناير ،2006 وقبل ذلك التاريخ، بشأن طريقة معالجة كل من مجلس النواب ومجلس الشورى لمهمة وصلاحيات دائرة الشئون القانونية فيما يتعلق بمشروع القانون المعروض على المجلس الاخير حالياً بشأن إعادة تنظيم هذه الدائرة، يتبين لنا مدى الشطط الذي يذهب إليه كل من هذين المجلسين في معالجة طريقة الخروج من حكم المادة المذكورة التي تستعصي على الحل ما لم توجد الجرأة الكافية للمجلسين بالتقدم باقتراح بتعديل دستوري على هذه المادة وفقا لما تشترطه من تقدم 15 عضواً من مجلس النواب أو مجلس الشورى بطلب تعديل دستوري. إلا أن البين هو أن كلاً من المجلسين قد قبل على مضض بحكم هذه المادة، ما جعل اعضاء هذين المجلسين، في الوقت نفسه، يبذلون جهوداً للتحايل على حكم هذه المادة، وذلك عن طريق التوصل إلى حلول يائسة غرضها التخلص من الآثار التشريعية السلبية لهذه المادة. ولهذا أصبحت طروحات أعضاء المجلسين تنحصر في التركيز على تحديد فترة زمنية للحكومة تلتزم بموجبها في تقديم مشروع القانون وفقاً لحكم هذه المادة في الدورة نفسها التي قدم خلالها مشروع القانون دون تأخير تقديمه إلى الدورة أو الدورات التي تليها، كما حدث لمشاريع القوانين الاخرى، وخصوصاً مشروع القانون بتعديل اللائحة الداخلية لكل من المجلسين الذي تأخرت الحكومة في تقديمه لما يقارب أربع دورات من دورات انعقاد المجلسين، وذلك على رغم أن الفقرة (أ) من المادة (92) لا تجيز صراحة تأخير تقديم مشروع القانون لمجلس النواب لأكثر من دورتين. وبناء عليه، فإن الجدل القائم في مجلس الشورى، ومن قبله مجلس النواب، (كما قرأت)، ينحصر في اعطاء اختصاص إضافي لدائرة الشئون القانونية يتمثل في تولي هذه الدائرة «وضع الاقتراحات بقوانين المحالة من مجلس الشورى ومجلس النواب في صيغة مشروعات قوانين». وتكمن خطورة هذه الاضافة كتعديل على المادة الثانية من مشروع القانون الخاص باعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية، في كونها تشكل تنازلا من السلطة التشريعية فيما يتعلق باعطاء أو تحويل حقها الدستوري الاصيل بشأن إعداد وصوغ مشروعات القوانين المقدمة من قبلها، إلى جهة حكومية معينة تتمثل في جهاز دائرة الشئون القانونية التي تستمد شرعيتها من الحكومة أو السلطة التنفيذية. إن هذه الجملة المضافة كتعديل على المادة الثانية من المشروع المذكور والتي تمثل تنازل المجلس التشريعي الى دائرة الشئون القانونية عن حقه الاصيل في إعداد وصوغ مشاريع القوانين التي يتقدم بها للحكومة، قد أوقعت كلاً من المجلسين تحت وهم إمكان تحييد هذه الدائرة أو تأكيد استقلالها عن السلطة التنفيذية وذلك عن طريق ابعاد علاقتها بمجلس الوزراء والحاقها بوزارة العدل، الأمر الذي ينم عن قصر نظر من المجلسين، وكأن وزارة العدل هي وزارة مستقلة تقع خارج التنظيم الحكومي للوزارات. إن محاولة تحييد دائرة الشئون القانونية أو اثبات استقلاليتها عن طريق الحاقها بوزارة العدل هو ضرب من الخيال الذي يجب أن يكف كل من المجلسين عن الحلم به. وما عليهما إلا مواجهة الواقع في شأن وضع دائرة الشئون القانونية التي هي، حسب نص المادة الثانية من مشروع القانون المعروض على مجلس الشورى، جهاز قانوني استشاري حكومي يتولى ضم ما يقوم به من اختصاصات اخرى إعداد وصوغ مشروعات القوانين التي تتقدم بها الحكومة للسلطة التشريعية وفقا للمادة (81) من الدستور. وعليه، فإن تبعية هذا الجهاز الى وزارة العدل لا تجعل منه جهازًا محايداً أو مستقلاً. وبناء عليه، فإنه من الخطأ الفادح، في نظرنا، أن يتنازل مجلس النواب المنتخب، خصوصاً، عن حقه الدستوري الاصيل في اقتراح القوانين ووضعها في صيغة مشروعات القوانين، إلى جهاز حكومي بحت هو دائرة الشئون القانونية حتى لو اصبح حكومي بحت هو دائرة الشئون القانونية حتى لو أصبح هذا الجهاز ملحقاً بوزارة العدل، لأن هذا الأمر لا يغير من الواقع شيئاً. ولكن يمكن التساؤل: اين يكمن الحل لهذا الواقع الدستوري الذي فرضه حكم المادة (92) من الدستور. إن الحل الذي لا مناص منه، في نظرنا، يكمن فيما أوردناه أعلاه من الإصرار من المجلسين على اللجوء إلى الإجراءات المبينة في المادة (92) نفسها بشأن تبني اقتراح بتعديل هذه المادة من قبل 15 عضواً من أي من المجلسين، على أن يتضامن أعضاء المجلسين في إنجاح طلب هذا التعديل بأي ثمن وذلك قبل انتهاء هذا الفصل التشريعي. ويجب أن يتضمن هذا الطلب بتعديل المادة (92) من الدستور، اقتراحاً بتبني حكم يتفق مع حكم المادة (71) من دستور سنة 1973 بدلاً من المادة الحالية المعيقة لسلطة التشريع من قبل المجلسين، وذلك بأن يتولى مجلس النواب، وخصوصاً، في حال موافقته على اقتراح القانون المقدم من عضو المجلس، امر وضع هذا الاقتراح في صيغة مشروع قانون. وبهذه الطريقة الدستورية المشروعة وحدها، يستطيع مجلس النواب ان يحافظ على هيبته واستقلاليته عن السلطة التنفيذية فعلاً لا بالكلام وذلك بالنظر الى قرب انتهاء الفصل التشريعي الأول بالنسبة لأعضاء مجلس النواب الذين سيصبحون قريباً في مواجهة الشعب الذي انتخبهم من دون أن يحققوا له خلال الأربع دورا
إقرأ أيضا لـ "حسين محمد البحارنة"العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ