العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ

البرلمان على طريق الستالينية!

الأقلام في مواجهة الاعوجاج

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نعلم جيّداً أن النواب الكرام في إجازة الربيع هذه الفترة، ويقال إن الكيل طفح لديهم مما تكتبه الصحافة، والبعض نصحني ألاّ أكتب مرةً أخرى عنهم فهم لا يسمعون، وخصوصاً بعد التلويح بقانون العقوبات و«الحبوس» كما يقول المحرقيون، ولكن لابد من الكتابة لأن الموضوع لا يحتمل التأجيل، فنحن لم نعد مهدّدين في أرزاقنا فحسب، بل في أعناقنا وحرياتنا وما يجره ذلك من تهديد مباشر للحريات العامة في البلد على وجه العموم. ومع انهم في إجازة هذه الأيام، فإن اكثرهم يقرأون الصحف يومياً وبتمعن جداً، فلذلك سيقرأون كلامنا حتماً... ويتدبّرون أمرهم «في نهار » هذه المرة، مشكلة النواب انهم يبحثون عن حصانة لم يمنحها أي برلمان في العالم لنفسه، فلم نسمع بعد أن شابت رؤوسنا عن برلمان يهدّد الصحافة بالحبس إذا انتقدته، ولأنهم يعرفون ذلك جيداً، حاولوا الاحتيال على الناس، بالبحث عن مخرج «لغوي» مضحك وهزيل، عن طريق التفريق بين «النقد» و«الإهانة»، ولا ندري لماذا هذه السفسطة اللغوية؟ ولماذا تخونهم الشجاعة بالتصريح عن رأيهم المباشر والصريح: «اسكتوا عنا، ودعونا نفعل ما نشاء»، لماذا لم تقولوا انها انتقام من خسارة الـ 80 في المئة من الراتب التقاعدي، بعد أن كشفت الصحافة خطة اللعب السابقة لاقتناص نسبة 80 في المئة على أربع سنوات خدمة من موازنة الدولة؟ وهل هي تصفية حسابات مع الصحافة التي لم تسكت على مداهناتكم وتناقضاتكم ونقاط الضعف في أدائكم؟ أم انه أفضل إنجاز تتفاخرون بتقديمه قبيل الاستحقاق النيابي المقبل (بعد تسعة أشهر)، والغالبية تعرف انها لن تعود مرة أخرى إلى البرلمان هذه المرة؟ هل «المرجلة» في هذا الإجماع التاريخي الغريب على «تمرير» قانون قمعي أو «تعديله»، بحيث ينتهي الصحافي كاتب الرأي إلى الحبس؟ وهل أصبح البرلمان ذاتاً مصونة لا يحقّ لأحد أن ينتقدها أو يقترب من حماها؟ أي دكتاتورية مقيتة تكمن وراء هذا التفكير الستاليني المتعسّف؟ خلال اسبوع واحد فقط، وفي أول رد فعل لها، نشرت الصحافة أكثر من عشرة مقالات ضد هذه الحركة النيابية (البايخة)، يمكن بسهولة تصنيف ثمانية منها على انها «إهانة» (حسب الفلسفة البرلمانية الجديدة)، ولو بديء بتطبيق هذه «اللعبة» من الآن، لدخل الزملاء السبعة، مع كاتب هذا المقال، إلى سجن جو أو القلعة أو الحوض الجاف، بتهمة إهانة الذات البرلمانية المصونة، البحريني اليوم عندما يسافر إلى الخارج، يسألونه عن بلاده في ظلّ ما تشهده من انفتاح سياسي وحرية تعبير يفاخر بها، لكن النواب اليوم يريدون أن يقلّصوها بإرهاب الصحافيين عن الكتابة عن المجلس نفسه. ومادام كل نقد يمكن تفسيره إهانة، فمن المحتم أن يتحوّل النواب إلى آلهات إغريقية، وملعون من يقترب من معبدها العلوي المقدّس، القضية المطروحة حالياً تعبّر عن خلل كبير في تفكير غالبية نواب البرلمان الموشك على الرحيل. هذه الإشكالية ليست وليدة اليوم بطبيعة الحال، فقد سبق لهؤلاء أن فكّروا في إصدار «جريدة» يومية للتعبير عن ضمير البرلمان، لأن الصحف الأربع (حينها) لم تكن تعبّر عن نبض هذا المجلس الجميل. فهي دائماً تنتقد أداءه، وتلقي الضوء على سلبياته، من قبيل محاولات «انتزاع» أعلى راتب تقاعدي، وكشف «فضائل» السيارات الجديدة، ومخصصات المكاتب التي لم تتحوّل إلى مكاتب، حتى أن أحدهم كان «يواعد» أبناء منطقته للإلتقاء بهم في مقهى (كافيه) بأحد المجمعات الكبرى بمنطقة السيف، البرلمان في عقليته الحالية المتخلّفة، يعتقد أن إصدار «جريدة» ناطقة باسمه تكفي لإقناع الرأي العام بسلامة أدائه وعظيم إنجازاته. هذا التفكير القائم على الوهم والأساطير، يتصوّر أن إصدار «جريدة» ناطقة باسم البرلمان تكفي لتبييض صفحته أمام الناس، وإسكات صوت الصحافة في نقد سلبيات هذا المجلس المترهّل الذي تحوّل من عون إلى فرعون. أيها السادة، حتى الآن صدرت عشر مقالات من مختلف أطياف الصحافة، من أقصى «الموالاة» إلى أقصى «المعارضة»، كلها تلتقي على كشف اللعبة المدبّرة بليل، وسيستمر الجميع في معارضة هذا التفكير الديكتاتوري المتخلف. أنتم تمتلكون الحصانة البرلمانية، وسلطة إصدار القوانين، وهم لا يملكون غير القلم، الذي من مهماته تقويم الأعواد المعوجة... حتى تستقيم،

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً