العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ

روسيا والصين... والملف الإيراني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعيداً عن التوافقات التي قد تتوصل إليها دول الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا والصين بشأن الملف النووي الإيراني لابد من عدم إهمال درجة التوتر التي وصلت إليها دول منطقة ما يسمى بـ «الشرق الأوسط الكبير». قدر هذه المنطقة كما يبدو عدم الاستقرار، فهي ما تكاد تخرج من مشكلة حتى تدخل في مشكلات. وفي كل مرة يكون الآتي أعظم من السابق. هناك سيناريوهات كثيرة موضوعة على الطاولة لمعالجة ما تسميه الدول الكبرى والمعنية بـ «مشكلة الملف النووي الإيراني». حتى الآن تميل التصريحات المعلنة رسمياً إلى استبعاد الحل العسكري وتغليب التفاوض والحلول السلمية على كل الاحتمالات المطروحة علناً في الساحات الدولية والإقليمية. إلا أن درجة التوتر تفترض الانتباه وعدم استبعاد كل الاحتمالات بما فيها تصعيد المواقف وتأزيمها للوصول إلى حافة الانفجار الكبير. وفي هذا الإطار يجب عدم تصديق تلك التسريبات الصحافية أو المعلومات المخابراتية معطوفاً عليها تلك الادعاءات الأميركية بعدم الاكتراث بالمشكلة والميل نحو التفاوض وإعطاء فرصة زمنية لما تسميه واشنطن المبادرات الأوروبية السلمية. الإدارة الأميركية كررت مراراً استبعادها اللجوء إلى الضربات العسكرية متذرعة بوجود مشكلات تواجه قواتها في العراق وأفغانستان. وكذلك تذرعت مراراً بحرصها على استقرار المنطقة وحفظ أمن الخليج من الانهيار حتى لا ينعكس التوتر سلباً على إمدادات النفط وأسعاره العالمية. إلى الإدارة الأميركية نفت الكثير من العواصم الأوروبية، وبعض المصادر العسكرية والمخابراتية، وجود خطة (سيناريو) لتوجيه ضربة جوية إلى المفاعلات نظراً إلى تعدد المواقع وانتشارها الجغرافي في داخل إيران. وهذه الذريعة شكلت غطاء إعلامياً لإطلاق كلام يميل إلى تسوية المشكلة (المختلقة أميركياً) من طريق التفاوض أو بالواسطة مع حلفاء إيران. حتى الآن هذه هي الصيغة السياسية التي تحاول الولايات المتحدة، بالاشتراك مع الترويكا الأوروبية، تمريرها دولياً لضمان انتقال الملف إلى مجلس الأمن وصدور قرار بشأنه. فالهدف الأميركي ­ الأوروبي الآن ليس إثارة مخاوف روسيا وقلق الصين بشأن الملف الإيراني وإنما تهدئة المشاعر وضبطها تحت سقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستنفاد كل الوسائل السلمية حتى تطمئن موسكو وبكين... وتوافقان لاحقاً على نقل المشكلة إلى مجلس الأمن. وبعد ذلك ستبدأ واشنطن سياسة مختلفة مستفيدة من الغطاء الدولي في حال قررت دول المجلس إصدار بيان في هذا الشأن. ضمن حدود هذه اللعبة الدبلوماسية يمكن قراءة الليونة الأميركية بالتضامن والتكافل مع دول الترويكا الأوروبية. فهذه الليونة كما يبدو تستهدف جرجرة روسيا والصين إلى مكان آخر لا تعترضان فيه على اتخاذ خطوات تمنع نقل الملف إلى مجلس الأمن. إلى الآن ترفض بكين معالجة المسألة في نيويورك، كذلك تميل موسكو إلى احتواء المشكلة من دون حاجة إلى طرحها كقضية دولية على مجلس الأمن. ولكن مراقبة التراجعات الروسية ­ الصينية تفترض ضمناً عدم استبعاد موافقتهما على احتمال نقل الملف في الفترة المقبلة. أميركا والترويكا تلعبان سياسة مزدوجة. فمن جهة تستبعدان اللجوء إلى الخيار العسكري (الضربات الجوية) بسبب المخاطر السلبية لمثل هذا التوجه. ومن جهة، تستدرجان روسيا والصين إلى مجلس الأمن وحثهما على اتخاذ مواقف تصب في النهاية في اتجاه التصعيد والضغط وتعطيان مادة قانونية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تبنيان عليها لتأمين غطاء دولي لسيناريوهات أخرى. السيناريوهات الأخرى ستكون عسكرية على الغالب وهي غير مطروحة الآن لسبب تكتيكي وبهدف إقناع حلفاء إيران بأن نقل الملف إلى مجلس الأمن غايته منع تطور المخاوف نحو مواجهات غير محسوبة. المسألة إذاً حساسة وتحمل في طياتها متفجرات سياسية وعسكرية... وهي تنتظر من موسكو وبكين موافقات على نقل الملف النووي إلى نيويورك حتى تظهر بعد ذلك السيناريوهات الأخرى وهي في معظمها حربية وليست سلمية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً